آل سعود والأمريكان.. يرقصون بالسيوف على دماء الثوار

تنطوي الساعات المقبلة على كل الاحتمالات المفتوحة، وإن كان أغلبها يوحي بأن لا شيء بات محرماً في جهود الإمبريالية الأمريكية بالرد على انتفاضات الشعوب الثائرة في كل مكان من العالم العربي، ولعل ما يفعله آل سعود الآن في البحرين بالنيابة عن حلفائهم التاريخيين في لندن وواشنطن، أوقح من كل التصورات..

تاريخياً، لم تكن مملكة آل سعود تمارس أكثر من دورها الوظيفي الذي أنشئت من أجله كحلقة من حلقات الإمبريالية، فسعت دائماً إلى تأمين المصالح العليا للبريطانيين قبل أفول شمسهم لمصلحة الأمريكان، فقدمت كل ما يقدمه التابع لسيده بدءاً من النفط المغدق أرباحاً جنونية على شركات الدول الإمبريالية، وانتهاء بجعل دول الخليج السوق الأهم للسلاح الأمريكي، هذا الخليج الذي يعد كنز أمريكا الثمين، والذي يملك آل سعود فيه نفوذاً اقتصادياً وتحالفات عشائرية واسعة مبنية على عقد اجتماعي أبدعه الملك عبد العزيز آل سعود بالتشارك مع السلطة الدينية الممثلة (آنذاك) بمحمد بن عبد الوهاب، وقد كان المطلوب منذ جرى هذا التحالف هو ما نشاهده اليوم فقط بأوقح صوره وأفضحها..

تسارع مملكة آل سعود اليوم بالتعاون مع شيوخ الإمارات والكويت وقطر إلى تصفية كل إمكانية لتحقيق تحول جدي لدى شعوب المنطقة ضد المصالح الإمبريالية العليا، فمنذ أيام فقط كانت الولايات المتحدة وبريطانيا تطالب زعماء العرب بالموافقة على التدخل العسكري في ليبيا لمصلحة الانتفاضة الثائرة فيها على معمر القذافي لمصلحة فكرة الفوضى الهدامة طبعا لا أكثر ولا أقل_ والتي توافرت كل مبررات استبداله من جانب الأمريكان وعملائهم الخليجيين الذين كانوا أول من وافق وهيأ المناخ للتدخل العسكري لصالح الثوار على حد تعبيرهم، ونزولاً عند رغبتهم بحقن الدماء وفقا لإدعاءاتهم.. واليوم تعطي الولايات المتحدة الضوء الأخضر في محاولة منها رد العرفان لشيوخ العربان على ضوئهم الأخضر لها للتدخل الأمريكي في ليبيا ليسمح الأمريكان بالتدخل العسكري المباشر ضد شرعية مطالب الثوار البحرانيين العزل...

بني هذا التدخل الوقح على جملة من المعطيات المركبة والتي تندرج مقولتها العامة تحت شعار «حماية المصالح الإمبريالية العليا في كل مكان وبشتى الوسائل».. ومعطيات هذا التدخل لا تخفي خلفيات الصراع التاريخية في مملكة البحرين، والتي لا تعد أكثر من قاعدة عسكرية مشتركة لآل سعود والأمريكان الذين يرسون أسطولهم الخامس حالياً في الجزر الثائرة، فتاريخياً كانت البحرين تتبع المصالح البريطانية، واستمر الاحتلال المباشر لها حتى وقت متأخر من القرن العشرين، وتحديداً في عام 1970 حين نالت البحرين استقلالها الشكلي عن مصالح بريطانيا العظمى. وتجدر الإشارة إلى أنه حتى عام 1998 كان البريطاني أيان هندرسون هو من يقود جهاز الأمن والاستخبارات البحريني، أما الحديث عن الاستقلال الحقيقي لشعب البحرين عن مصالح الإمبريالية ومصالح آل سعود، فهذا ما ظل غائباً حتى اليوم، والذي ينتفض فيه البحرينيون ليس على نظامهم الحاكم فقط، بل على نظام الوصاية التاريخي مثلث الأبعاد ( بريطانيا، أمريكا، آل سعود)..

يلاقي التدخل الوقح لدرع الجزيرة ضد الشعب البحريني الكثير من جوانب التغطية الشرعية الذي يمثلها التحالف المذكور سابقا «آل سعود _محمد بن عبد الوهاب» الذي يستند إلى فكرة تأمين مصالح آل سعود مقابل شرعنة توجهات مذهب محمد بن عبد الوهاب (طبعاً من الغباء أي تفكير بفصل حالي بين هاتين المركبتين)، والذي يستعدي تاريخياً في بنيته السلفية الخلفية الدينية لمعظم سكان البحرين الذين تعتبر غالبيتهم العظمى من الشيعة باستثناء الأسرة الحاكمة وبعض الوافدين من الدول المحيطة، والذي أريد منهم تحويل البنية الديمغرافية لصالح الأقلية السنية، وبالطبع، تلاقي هذه الرؤية ما سعت الإمبريالية على إذكائه كثنائية وهمية مستندة على الخلفيات المذهبية المتواجدة تاريخيا في المنطقة. لقد كانت هذه الفتنة هي أهم ما أراد الأمريكان السعي لإشعاله لإبقاء المنطقة متوترة في خلافاتها المذهبية والطائفية مما يسهل عملية السيطرة عليها، بالإضافة إلى ضرب أي تأثير محتمل لإيران فيها، هذا التأثير الذي أزعج و يزعج بتحالفاته كثيراً آل سعود والأمريكان والإسرائيليين، وخاصة بعد الخطر الداهم الذي استشعروه بنجاح محور الممانعة الذي تساهم إيران بشكل جدي في بنائه، في قلب كفة الصراع لصالح المقاومة في لبنان والسعي إلى بديل جدي في المنطقة مبني عل أساس تفاهمات شعوب هذه البقعة وفقا لمصالحها بعيداً عن المصالح الإمبريالية...

في العموم، تتجه المنطقة اليوم في ظل هذه التغيرات التاريخية إلى اتجاهات بات من الواضح أنها لا تخدم المصالح العليا للإمبريالية وأدواتها، فعلى الرغم من حديث بعض المراقبين عن خلاف سعودي - أمريكي حول شكل التدخل ضد الثورة في البحرين، بينما الخلاف بين النموذج السعودي القائم على فكرة إيقاف التحركات الساعية للتغيير بشتى الوسائل، حتى لو كانت أشد الوسائل القمعية يتباين شكلاً عن الرؤية الأمريكية التي ترحب بحل سياسي يقوم على تغييرات ظاهرية قد تضطرها لتقديم تنازلات على حساب حلفائها التاريخيين الراقصين معها بالسيوف، لمصلحة استمرار السيطرة على هذه الدول، محاولة بذلك امتصاص أي فوران ممكن أن يمتد إلى مساحات أوسع، وخاصة في السعودية. إلا أنه من الواضح أن السكوت الأمريكي عن التدخل السافر لا يعد إلا ضوءا أخضر من موقع دعهم «يتناطحون ومن ثم نتدخل في اللحظة المطلوبة»...

ربما لا يعي آل سعود أن قمة الغباء السياسي هو ما يفعلونه الآن، ويبدو أنهم تخلوا آنياً عن مستشاريهم الأمريكان، أو ربما سُرّب لهم أن هذا التدخل أكثر جدوى، فعلى الرغم من أن الأمور تسير باتجاه التصعيد الذي لن يكون في مصلحة آل سعود مطلقاً، لكنهم يبدون متحمسين لما يفعلون، وربما فاتهم أن ما يجري يخدم لعبة وفكرة الأمريكان بتوريط الأنظمة العميلة الشائخة في معتركات تساهم بإقصائها بسرعة لصالح البديل المستحدث أمريكياً...