الديمقراطية البرجوازية كنموذج للاستغلال والاستعمار الإمبريالي الجديد
شعار « الديمقراطية « ليس جديداً، ومفهومه يختلف من طبقة إلى طبقة، هي بنية الطبقة التي تسعى لتكريسه أو فرضه. والمسافة الفاصلة بين الديمقراطية البرجوازية والديمقراطية الشعبية هي المسافة الفاصلة بين الأرض والسماء. يعني، هي المسافة بين الموت والحياة.
«الديمقراطية» المتداولة حديثاً وبقوة، وفق حملة ممنهجة هي «ديمقراطية» الإمبريالية الأميركية وأعوانها لتسويق نظام عالمها الجديد. والتسويق يعتمد على الدعاية والإعلان والأفلام بما فيها « الآكشن»، وهي الديمقراطية الأميركية والأوروبية التي تم تصويرها باللحم الإنساني الحي، وتجسدت في غزو يوغوسلافيا وأفغانستان والعراق، على مراحل وعناوين مختلفة، منها القضاء على الديكتاتوريات ومساعدة الشعوب المحررة على وضع أسس نظام ديمقراطي، ومنها اقتلاع الإرهاب من جذوره.
وتحت هذا المسمى الوهمي جرت كل العمليات المنافية «للديمقراطية الحقيقية» من قمع وقتل وانتهاك للحريات واستغلال.. داخل الدول المسماة ديمقراطية أو في خارجها، وبخاصة الدول التي تشرف عليها الإمبريالية وتوجه سلطاتها أو التي تدعمها وتساندها..
لماذا؟
لأن الأساس الطبقي لأنظمة هذه الدول المتفاخرة بديمقراطيتها في أميركا الشمالية وأوروبا الغربية، يقوم على ديمقراطية الأقلية – الرأسمالية الحائزة على ملكية وسائل الإنتاج، تُرغم شعوبها على استخدامها لفائدتها الطبقية تاريخياً، بمقابل زهيد جداً. وحالياً، في ظل ظروف تجذر الأزمة الاقتصادية التي تزداد صعوبة وقساوة وخطورة على الطبقة العاملة ومجموع الفئات الكادحة الفقيرة في زمن الإمبريالية وعولمتها النيوليبرالية المتوحشة.
هذه الأقلية السوبر رأسمالية – المسيطرة، والعابرة للقارات، لا تتردد لحظة واحدة في استعمال أجهزة سيطرتها القمعية بوحشية، كلما دعت الحاجة لحماية مصالحها الطبقية والمالية، سواء في علاقتها بشعوبها، أو بالشعوب الأخرى التي تستغل خيراتها وثرواتها بصفة مباشرة أو غير مباشرة. وآخر الشواهد على ذلك، تلك الأحداث القمعية التي جرت في (مدينة سياتل - وول ستريت) ضد مظاهرات شعبية سلمية . هذه الديمقراطية الشكلية المأزومة لا يمكن لها أن تنشئ ديمقراطيات غير مأزومة، ولا يمكنها أن تستمر كما هي، لأن التناقض الطبقي آخذ في التوسع، فالأقلية الرأسمالية المسيطرة على كل شيء، لن تعطي للأغلبية الشعبية الساحقة، والمسحوقة في آن، شيئاً، سوى أوهام الحلول وأوجاع الاستغلال والاضطهاد والظلم.
إن أزمة الديمقراطية البرجوازية باتت أكثر من واضحة ومتفجرة، ومظاهر استهدافاتها أوضح في ممارساتها، وتتجلى في أول استهدافها: بالسعي الحثيث لتفكيك الكتلة التاريخية الثورية القادرة على إحداث التغيير، وضرب أحزابها ونقاباتها العمالية بأشكال مختلفة حسب درجة تطور البلدان الغنية والفقيرة، وحسب حالة موازين القوى الطبقية الواقعة بين فترات الجزر والمد. إن هذا الاستهداف قد تزايد في مختلف بلدان العالم من الشمال إلى الجنوب، وازداد حدة وتوسعاً مع توسع نفوذ الإمبريالية في زمن العولمة، الساعية بكل خبث ودهاء إلى طمس حقيقة الصراع الطبقي، كمحاولة لإبعاد الأزمة البنيوية اللصيقة بالنظام الرأسمالي، وبنماذج ديمقراطيته.
وفي ثاني استهدافها: بتوسيع السيطرة والهيمنة على مقدرات شعوب العالم بأشكال استعمارية جديدة، على اعتبار أن السياسة الاستعمارية القديمة تتنافى مع مبدأ الديمقراطية الذي تنسبه لنفسها. وذلك وفقاً لحاجة السوق الرأسمالية، إما عن طريق الاحتلال أو الغزو أو الاستغلال بطرق حديثة وعصرية، بحيث تبيح كل المحظورات وتبريراتها العسكرية والسياسية والاقتصادية لحماية أسواقها الجديدة وضمان استقرارها. بما في ذلك تبرير البرامج الاستعمارية تحت شعار «مساعدة الشعوب على تحقيق الديمقراطية والتطور.. « مربوطة دائماً بلائحة شروط مذلة للحصول على مساعدات « من دهنو سقيلو».
وفي ثالث استهدافها : بدعم ومساندة ورعاية الأنظمة الديكتاتورية بأشكالها القديمة والجديدة في العالم،أكانت بلباس عسكري أو مدني أو أصولي ديني متطرف، رغم كل الحروب العالمية والإقليمية والوطنية التي تسببت فيها، أو كان لها إصبعاً أو ضلعاً فيها، ورغم إصرار الشعوب وحركات التحرر الوطنية التقدمية على مقاومة كل أشكال الإحتلال والاستعمار والارتهان والتبعية من أجل الحرية والديمقراطية والتحرر السياسي والاجتماعي.
وفي رابع استهدافها : بتبني أنظمة إستعمارية عنصرية – توسعية بدعوى أنها ديمقراطية، في جنوب أفريقيا سابقاً، وفي الكيان الصهيوني (كمثال حي)، وطمس حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته في العودة والأرض والوطن والدولة الوطنية الكاملة والمستقلة. وآخر حجة لمنظري الديمقراطية البرجوازية هي الخوف من قيام دولة دكتاتورية راعية للإرهاب في فلسطين، متناسين أن الإمبريالية الأميركية تشكل المصدر المنٌتج والراعي والحاضن لهذا الإرهاب.
الديمقراطية الشعبية هي النقيض الطبقي تماماً، وتهدف إلى خلق المجتمع الاشتراكي البديل، عبر الثورة الاشتراكية، وهي المهمة الطبقية لكل الشعوب المقهورة والمضطهدة والمفقرة. بما فيها شعوب أوروبا وأميركا، فأزمة الرأسمالية وديمقراطيتها عميقة ومستفحلة، لن توفر « دقن ممشطة» في طريقها نحو مراكمة أرباحها على حساب نضال وعرق وضمانات الطبقة العاملة والفئات الكادحة، ولن تعدم طريقة في سحق مكتسباتها وأحلامها في حياة كريمة، وفي دفن تضحياتها التاريخية من أجل حريتها وديمقراطيتها واستقلالها واستقرارها وتطورها.
إن الخلاف بين المفهومين، ليس شكلياً، وليس ظرفياً أو عرضياً. وإن ما يجمع النقيضين الماديين هو كلمة « ديمقراطية « تلتبس على الكثيرين بما فيهم بعض المتمركسين. إنما الخلاف بينهما، هو خلاف طبقي- جذري، وكل شعارات الحرية والمساواة والعدالة والقيم .. من منظور الطبقة البرجوازية وتبريراتها للديمقراطية، ما هي إلا محاولات منها، وبأشكال مختلفة، لإطالة أمد الأزمة، وتأبيد سيطرتها الطبقية على حساب عرق ودماء الفقراء. ولا أمل بتحقيق الديمقراطية الشعبية الثورية الحقيقية إلا بإرادة ونضال الجماهير الكادحة وتحت راية قيادة ثورية لخوض معركة الثورة الوطنية الديمقراطية كمحطة، على طريق تحقيق الاشتراكية.
• النداء اللبنانية