من سورية إلى اليمن: مناورات المعرقلين تتعثر
بعد انطلاقة صعبة للمفاوضات اليمنية في 21/ نيسان الفائت- ومع استمرار المحادثات بإحاطة دولية واسعة- أنتجت جلسات التفاوض جملة من التقدمات المهمة، قبل أن تتعقد الأمور وتتعلق المفاوضات مجدداً، في بداية الشهر الحالي، مع استمرار التأكيد الدولي على أحادية المسار السياسي حلاً للأزمة اليمنية..
بالنظر إلى التطور السريع في المسار السياسي للأزمة اليمنية بنتائجه الأولية الإيجابية، ومستوى الضغط الدولي المستمر على الأطراف الإقليمية والداخلية، فإن تعليق المفاوضات، يأتي مخالفاً لسياق عام وضعت الأزمة اليمنية ضمنه، وهو ما يجعلنا نتأمل بشكل أعمق سلوك الخط البياني لتقدم الحل، بين نقطتين أصبحتا ثابتتين، أولهما: التبني الدولي لخيار الحل السياسي والبدء بالمفاوضات بشكل جدي، وثانيهما: تطبيق القرار الدولي 2216، الصادر عن مجلس الأمن كنهاية مرحلة مهمة من الأزمة..
مفاوضات في اتجاه واحد
قبل تعليق المفاوضات من 1/أيار، وحتى موعد استئنافها في الرابع منه، تجدر الإشارة إلى أن سير المفاوضات لم يكن يوحي أبداً بالتعليق، وهو ما يمكن استشفافه من تصريح المبعوث الدولي قبل يوم واحد من تعليق المفاوضات، حيث أكد اسماعيل ولد الشيخ أحمد أن الأطراف اليمنية قطعت شوطاً مهماً على طريق الحل، موضحاً نقاطاً عدة أهمها: أن الجلسات الجامعة للوفود تعمل على طمأنة النفوس، على عكس الأجواء السلبية المرافقة للجلسات الثنائية.
لا عودة إلى نقطة الصفر، ولا مجال لانهيار المفاوضات، هي ثوابت تجتهد بعثة الأمم المتحدة على تثبيتها، إلى جانب التذكير اليومي بضرورة الحفاظ على وقف العمليات العسكرية، لضمان بيئة تفاوض منتجة حقاً، ذلك بالتعاون مع الأطراف المعنية إقليمياً وداخلياً، لذا، جاءت صيغة العرقلة بـ«تعليق المشاركة»، من وفد «الحكومة الشرعية»، لكن بقاء الوفود المفاوضة جميعها في الكويت، يعطي هذا التعليق صفة الآنية، التي من الممكن تغييرها بسرعة قد لا تتجاوز بضعة أيام، وهو ما حدث فعلاً في الرابع من الشهر الجاري، بعودة المفاوضات التي تميزها صيغة اللقاءات المباشرة بين الفرقاء اليمنيين.
أصداء تعليق المفاوضات في الأول من هذا الشهر، لم يكن لها وقع كبير سياسياً وإعلامياً، ولم يتحدث أحد من المتابعين عن إمكانية انهيار المفاوضات، وإذا أردنا التدقيق أكثر فإن أسباب العرقلة التي يرتكز إليها الوفد الحكومي، والمتعلقة بخروقات كبيرة على المستوى العسكري، كاقتحام «أنصار الله» وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح معسكر العمالقة في محافظة عمران، رغم نفي الطرف المقابل لهذه الاتهامات، هي أسباب لم تعد مقنعة الآن، فالهدنة الصامدة بشكل عام منذ 10 نيسان الفائت، شهدت خروقات كبيرة ومستمرة على أطراف العاصمة صنعاء، وغيرها من المناطق، إضافة إلى استمرار قصف طائرات «التحالف» لمناطق سيطرة «أنصار الله»، والقوات الموالية للرئيس صالح.
بمعنى آخر، فإن استخدام ذريعة كهذه للتعطيل تنتمي إلى مرحلة سابقة من المحادثات، أي إلى الفترة التي رافقتها لقاءات جنيف، والتي جرت في مناخ يختلف تماماً عما يجري اليوم في الكويت.
أطواق النجاة المتعددة
بعد التعطيل الأول للمحادثات التي كان من المفترض أن تعقد في 18 نيسان الماضي، وتأخرت أربعة أيام قبل أن تلتئم الجلسة الأولى لها، جرى الاستنجاد سريعاً بمجلس الأمن الدولي، ثم تحرك على مستوى الأمم المتحدة، لتخفيف التوتر الحاصل حينها.
أما بعد التعليق الأخير، فـ«طوق النجاة» حمله الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف الزياني، الذي أجرى محادثات مع الطرف الحكومي بغية إعادته إلى طاولة المفاوضات، بينما تولى الجانب الكويتي، ممثلاً بوزير الخارجية، اللقاءات مع الجانب الآخر المتضمن وفد «أنصار الله» و«حزب المؤتمر الشعبي».
أثمرت هذه الجهود سريعاً بعودة الوفود إلى المفاوضات المباشرة لبحث تصورات الإطار العام الذي اقترحته الأمم المتحدة حول هيكلية وإطار العمل بالنسبة للمحاور السياسية والأمنية والاقتصادية والإنسانية في المرحلة المقبلة.
تقدم صعب لكنه حقيقي!
نجح المبعوث الدولي في تحويل فكرته إلى واقع ملموس، بتسيير البنود الخمس المرتكزة إلى القرار 2216، بشكل متواز، حيث بدأت الأطراف اليمنية العمل في إطار لجان معنية بالوضع الأمني-العسكري، والجانب السياسي والمعتقلين، تتولى اللجنة الأمنية- العسكرية المكونة من 12 سياسياً من الوفد الحكومي، ووفدي «أنصار الله» و«المؤتمر الشعبي»، وضع آليات تسليم المؤسسات الحكومية الواقعة تحت سيطرة «أنصار الله»، وتعمل اللجنة السياسية المؤلفة أيضاً من 12 سياسياً على مسألة استئناف الحوار السياسي، بينما تعنى لجنة المعتقلين المؤلفة من أربعة أشخاص بمناقشة وضع الأسرى والمعتقلين والإفراج عنهم.
تلك الآلية المعقدة للعمل المتوازي على الملفات كافة، من حيث المبدأ، هي الحل الوحيد للخروج من دائرة الأولويات على أجندة الحوار، لكنها تحمل أيضاً في طياتها مخاطر عرقلة آنية محتملة بين الحين والآخر فيما لو عانى أحد الملفات من استعصاء كبير، أي أن عمل هذه اللجان مترابط ويدفع بعضها الآخر والعكس صحيح، ومن المؤكد أن الصيغ التي تقدمها الأمم المتحدة باستمرار، والتي تلقى آذاناً صاغية بالعموم بين المفاوضين، من شأنها أن تأخذ بعين الاعتبار الضغط بشكل أكبر على الجوانب الأكثر خلافاً، والتي نذكر منها، على سبيل المثال، مسألة أولوية تشكيل حكومة الشراكة الوطنية على تسليم المدن أو العكس.
استنتاجات مرحلية
بعد حوالي أسبوعين من بدء المفاوضات، يمكن تلخيص النتائج الأولية بما يلي:
أولاً: متانة التوافق الدولي، تحت تأثير التراجع الأمريكي، حول إنهاء الأزمة اليمنية، كإحدى التعبيرات عن شكل جديد من الحلول للملفات ذات الطابع الدولي، ألا وهو الحل السياسي كاتجاه عام ثابت لإنهاء الأزمات.
ثانياً: احتمال ظهور العراقيل مجدداً بدرجات متفاوتة من الشدة، لتوضح أن التوافق الدولي المذكور آنفاً رغم قوته، لا يمنع تماماً القوى الممانعة للحل من العمل على إطالة أمد الأزمة، وذلك يعود إلى تنوع هذه الأطراف وأهدافها، فمنها قوى موجودة داخل التيارات السياسية اليمنية ومستفيدة من حالة العنف، كغطاء لتجار الحرب والفاسدين، ومنها أطراف ذات طابع دولي تدفع بعض التيارات السياسية داخل مراكز القرار الإقليمي للتصعيد خلافاً للتوجه العام ضمن هذه المراكز (التوجهات داخل السعودية مثالاً).
ثالثاً: تأثير المتغيرات الإقليمية، وتحديداً في العراق، بعد التطورات التي شهدها الحراك الشعبي هناك، وبشكل أكبر بالملف السوري الذي يشابه في كثير من عناصر حله، ملف الأزمة اليمنية، من حيث القوى الإقليمية المؤثرة عليه، والإطار الدولي الناظم للحل والهدنة كضمانة لاستمرار المفاوضات السياسية، وغيرها من العناصر المؤثرة.