نحتل ساحاتنا.. ونهتف للضوء في آخر النفق
لم يكن إحياء المناسبة مكروراً، ولم تكن عشرات التظاهرات التي جابت ساحات العالم نسخاً عن بعضها البعض، فرغم الارتباط الوثيق بين نضالات الطبقة العاملة في العالم، من حيث جوهرها الرافض لمنظومة النهب والاستغلال الرأسمالي، إلا أن كل من تلك التحركات التي خرجت لتحيي عيد العمال ارتبطت ارتباطاً مباشراً بالاستحقاقات ذات الطابع المحلي المقرونة حكماً بالتغيرات الجارية على الصعيد العالمي.
فيما يلي، تستعرض «قاسيون» بعضاً من التحركات التي شهدها العالم في الأول من أيار:
ضد الاستبداد الأصلي و«البدائل الشعبوية» الأمريكية
سار مئات من العمال في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا الأميركية، في تجمعات بمناسبة عيد العمال استهدفت دونالد ترامب، متصدر المرشحين الجمهوريين للانتخابات الرئاسية، احتجاجاً على تعهده خلال حملته الانتخابية ببناء جدار على طول الحدود مع المكسيك من أجل وقف الهجرة غير الشرعية.
التظاهر ضد ترامب- على اعتبار أن الأخير هو ظاهرة «شعبوية» تحاول قوى المال استثمارها سياسياً- لا يعني قبول هؤلاء العمال بـ«خصم» ترامب الإعلامي المتمثل بالمرشحة هيلاري كلينتون، إذ ترافقت المظاهرات في الولايات المتحدة بهتافات مناهضة للمرشحين كليهما، مستحضرة تجاوزات الطغم المالية بحق الطبقة العاملة الأمريكية، وسياسات التمييز العنصري التي كانت موضوعاً للاحتجاجات خلال عام مضى.
يوم للربيع والعمل في روسيا
شهدت العاصمة الروسية موسكو وكبريات المدن الروسية الأخرى مسيرات شعبية واجتماعات حاشدة شارك فيها أكثر من مليونين و300 ألف شخص. كما شارك أكثر من 100 ألف شخص في المسيرة التي نظمها اتحاد النقابات العمالية المستقل، ورفعوا شعارات تدعو لزيادة الرواتب والمعاشات التقاعدية وعدم زيادة الضرائب.
كما نظم الشيوعيون الروس مسيرة موازية انطلقت من ساحة كالوغا لتجوب شوارع موسكو، وانتهت بساحة المسارح وسط المدينة بمشاركة نحو 30 ألف شخص. تجدر الإشارة إلى أن المواطنين الروس الذين يحتفلون في هذا اليوم يطلقون عليه اسم «يوم الربيع والعمل».
أوروبا: لتحطيم الأغلال الأمريكية
شارك الآلاف من الفرنسيين في مظاهرات حاشدة في العاصمة باريس وعدد من المدن الأخرى، وسط حضور مكثف من قوات الأمن، للتعبير عن رفضهم لمسودة قانون العمل المثير للجدل المطروح للنقاش في البرلمان الفرنسي. وما أن بدأت المظاهرات، حتى أحيطت بطوق أمني غير مسبوق لم يلبث أن تحول إلى مناوشات واشتباكات بين المتظاهرين وقوى الأمن.
وفي ألمانيا خرج نحو ألفي متظاهر في مسيرة مماثلة بمدينة هامبورغ، وقد حاولت الشرطة اعتراض المظاهرتين باستخدام خراطيم المياه، فضلاً عن مواجهات بين الشرطة ومشاركين في المسيرة التقليدية التي ينظمها اتحاد النقابات الألماني سنوياً.
كما نزل الآلاف في مسيرة مركزية في العاصمة الإسبانية مدريد وهم يحملون لافتات كتب عليها شعارات: «ضد اقتطاعات الميزانية للمتقاعدين»، و«لا لاتفاق التجارة بين أوروبا والولايات المتحدة».
أمريكا اللاتينية تواصل القتال
احتفالاً بالعيد ذي الهوية الاشتراكية، نزل أكثر من مليون مواطن كوبي إلى ساحة الثورة وسط العاصمة هافانا، للتعبير عن تضامنهم مع السياسات الحكومية الكوبية، و«التأكيد على الاستعداد الدائم للعمال الكوبيين نحو مواصلة القتال في سبيل الاشتراكية» وفقاً لما نقلته الصحف الرسمية الكوبية. كما حمل العيد طابعاً تضامنياً مع قوى اليسار اللاتيني التي تتعرض إلى أقوى هجمة من قوى اليمين التي تصعد في بلدان عدة في القارة.
أما في البرازيل فقد تظاهر الآلاف في مدن عدة تضامناً مع الرئيسة ديلما روسيف، استجابة لدعوات عدد من التنظيمات العمالية. وقالت روسيف-زعيمة حزب العمال- في كلمة أمام الحشود بمدينة ساو باولو إن عزلها من منصبها سيفتح المجال لتفكيك قوانين العمل وإضعاف برامج الرعاية الاجتماعية.
«عيد» للبطالة في تونس
في تونس، أطلق على العيد اسم «عيد البطّال» للفت الأنظار إلى البطالة التي يعاني منها قطاع واسع من الشباب، مؤكدين أنّهم أرادوا توجيه رسالة قوية إلى الساسة والسلطات الرسمية، التي تعودت الاحتفال بعيد الشغل مرددة الشعارات والخطابات المنمقة نفسها. وأكد الاتحاد العام التونسي للشغل في بيان له، بالمناسبة، أن تونس تحيي ذكرى عيد العمال في ظل تدهور مريع للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وفي ظل وضع ينذر بتداعيات سلبية. وطالبت المنظمة النقابية، الحكومة «بتنفيذ التعهدات والالتزام بتطبيق المشاريع والبرامج في آجالها والكفّ عن اتخاذ القرارات الانفرادية التي لم تفض إلاّ إلى الارتهان وإعادة إنتاج الفشل».
شرق آسيا: لا للتقشف
حملت المظاهرات التي خرجت في مدينة «بيتالينغ جايا» الماليزية طابعاً رافضاً للهيمنة الأمريكية على البلاد، إذ وجد عمال ماليزيا في عيد العمال مناسبة لتجديد رفضهم المطلق لاتفاقية «الشراكة عبر المحيط الهادئ»، التي تحاول الولايات المتحدة من خلالها مصادرة قرار دول شرق آسيا في مواجهة الخصم الصيني.
وفي كوريا الجنوبية، تظاهر الآلاف من العمال المياومين، بدعوة من «نقابات العمل الحكومي»، احتجاجاً على «الإصلاحات» التي اقترحتها حكومة كوريا الجنوبية على قوانين العمل، والتي ترمي إلى تمرير خطط التقشف، وخفض الرواتب التقاعدية.
«بيروت اشتاقت للشيوعيين»
وفي جو من التفاؤل الذي ساد عقب انتهاء أعمال مؤتمر الحزب الشيوعي اللبناني، شكلت التظاهرة التي دعا إليها الحزب، بمشاركة الآلاف، التحرك الأساسي في عيد العمال في لبنان. وأكد حنا غريب، الأمين العام للحزب، في كلمته إن «بيروت اشتاقت للشيوعيين الذين قاموا بحمايتها يوم دنسها الاحتلال، فخرجتم من قلبها يا ثوار الأرض، يا أبطال الجبهة المقاومة اللبنانية»، ووجه التحية في «الأول من أيار إلى شهداء عمال شيكاغو، ووفاء لمن كتبوا بدمائهم وتضحياتهم ولادة هذا العيد من رحم المعاناة والظلم، وإلى قيادة الحركة النقابية وكل القادة الشرفاء».
25000 شرطي لقمع العمال الأتراك
في خطوة تتناسب مع مستوى القمع التي تمارسه في الجنوب والجنوب الشرقي من البلاد، قمعت الشرطة التركية الاحتجاجات التي خرجت لإحياء مناسبة عيد العمال في اسطنبول، واستخدمت الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه ضد المتظاهرين، وفرضت إجراءات أمنية مشددة في المدينة. كما ذكر مكتب محافظ إسطنبول أنه تم اعتقال 207 متظاهر، فيما نشرت السلطات نحو 25 ألف شرطي في المدينة..!
وكسر المئات من العمال والنقابات الحظر المفروض على الاحتجاجات، وحملوا شعارات تدعو إلى التضامن مع العمال في مكان شاسع مخصص للأسواق في ضاحية باكيركوي القريبة من المطار الدولي.