فرنسا: حركة شعبية ضد قانون طبقة رأس المال
ايتيان سيابان- خاص قاسيون ايتيان سيابان- خاص قاسيون

فرنسا: حركة شعبية ضد قانون طبقة رأس المال

منذ 9/3/2016، تشهد فرنسا أحداث عدة. إذ أنه قبل أسابيع قليلة من ذلك التاريخ، كانت وزيرة العمل في حكومة «الحزب الاشتراكي»، ميريام الخمري، قد أعلنت عن «إصلاح جديد». حيث يرتبط هذا «الإصلاح» بالعمل، هادفاً إلى كسر بعض الأحكام القانونية التي لا تزال، بهذا الشكل أو ذاك، توفر الحماية للعمال، وتحابي هذه التغييرات الطبقة الرأسمالية الفرنسية، كما أنها تتوافق أيضاً مع إملاءات المفوضية الأوروبية.

يقدم ما سبق دليلاً واضحاً آخراً على أن «الحزب الاشتراكي الفرنسي» لا يملك في حقيقة الأمر شيئاً من الاشتراكية. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الهجوم ضد العمال قد سبقته سلسلة هجومات أخرى خاضتها الحكومة الليبرالية التي يقودها فرانسوا هولاند، منذ انتخابه في عام 2012.

لم تجرِ التعبئة الاجتماعية منذ عام 2010، عندما جرت تعبئة السكان ضد «إصلاح نظام التقاعد» الذي فرضه حزب نيكولا ساركوزي اليميني. حيث قدم هولاند نفسه على أنه يساري، وتبعاً لذلك الأمل، انتخبه جزء من الشعب، لكنه ما أن بدأ عمله، حتى ظهرت الطبيعة الحقيقية لحزبه: خط مؤيد لقطاع الأعمال، مؤيد للرأسمالي، موالي للإمبريالية، ومؤيد لأوروبا، وخط ضد العمال داخل البلاد. وقد مثلت بدايات عام 2016 تغييراً كبيراً: إذ جرى الإعلان عن عدة «إصلاحات» صادمة، وذلك كان، كما نقول في فرنسا: «القشة التي قصمت ظهر البعير».

تأثرت الاتجاهات النقابية في الأحداث التي وقعت، ما دفع قواعد النقابات، والعديد من المواطنين غير المنظمين، إلى إطلاق يوم 9 آذار، بوصفه بداية لحركة شعبية ضد «الإصلاح». وقد كان هذا اليوم ناجحاً، إذ تجمع أكثر من 500.000 شخص في عموم البلاد، في حين بدأت وسائل الإعلام برسومها الكاريكاتورية عن الحركة، ومحاولة الاستهزاء بها إيديولوجياً.

وفي جامعات البلاد، بدأت الجمعيات العمومية تتأهب، وكانت العديد من المدارس الثانوية قد أقفلت من قبل الطلاب. إذ كان جزء من تعبئة الحشود أولئك الشباب الآتين من المدرسة، والمدركين أن مستقبلهم الذي تنسقه الطبقة السياسية لهم غير عادل، وسيكون أسوأ من المتوقع، وأن النخبة تفرض الانحدار الاجتماعي لجيلنا، في حين يجري التعامل مع الأغنياء والمصرفيين كملوك.

وبعد 9 آذار، تواصلت التعبئة يومي 17 و24 آذار. والجدير بالذكر، أنه ومنذ الهجمات الإرهابية في باريس، والبلد يرزح تحت حالة الطوارئ. حيث استخدمت الحكومة في الأيام الأولى جهاز الشرطة لإيذاء المتظاهرين، بما في ذلك الشباب، وأصيب رفاق عديدون، فيما جرى اعتقال البعض الآخر لمدد متفاوتة. وبالإضافة إلى محاربة «قانون العمل»، نددت الحركة أيضاً بحالة الطوارئ، ما سمح بتسييس الشباب الفرنسي ضد الطبقة السياسية الرأسمالية الفاسدة، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في عام 2017.

وفي ٣١ آذار، تم إحداث نقلة جديدة في الحركة الشعبية، إذ تصاعد عدد المتظاهرين ليصل حد المليون ومئتي ألف في فرنسا، بالإضافة لدخول بعض القطاعات النقابية في حالة إضراب شبه مفتوح، تحديداً السكك الحديدية والقطارات. كما يجري التحضير لدخول قطاعات أخرى في الإضراب المفتوح. الأمر الذي يهدف لتشكيل قوة ضغط تسمح بتشكيل ميزان القوى الكافي بهدف إيقاف التعديلات المزمع إجرائها على قانون العمل.

يمثل ما يجري فرصة هائلة لبلد رأسمالي متقدم كفرنسا، حيث من الممكن لهذه الحركة الشعبية أن تصبح أكبر وتتنتصر، وسيكون فشلاً ذريعاً لرأس المال الفرنسي والمفوضية الأوروبية. كما أن ذلك من شأنه أن يكون خطوة إلى الأمام بالنسبة للنقابات والحركات الثورية، ويفتح الطريق لتسييس إيجابي لعشرات الآلاف من المواطنين الفرنسيين، وغير ذلك الكثير..!

 

* نقابي ومحاضر في جامعة غرنوبل