آسيا الوسطى: البيت الأبيض خالي الوفاض

آسيا الوسطى: البيت الأبيض خالي الوفاض

تمثل دول آسيا الوسطى- التي تشغل حيزاً جغرافياً لا يقل عن 4 مليون كم2، ممتدة من بحر قزوين والأورال إلى شمال غرب الصين ومنغوليا- واحدة من أهم ساحات الصراع والتنافس الدولي الجيوسياسي والاستراتيجي.

ارتفعت وتيرة الصراع في آسيا الوسطى بعد حرب أفغانستان 2001 بشكل خاص. ومنذ ذلك الوقت، تحاول الولايات المتحدة الأمريكية تعزيز نفوذها وهيمنتها عبر الغزو العسكري المباشر، أو من خلال «الثورات الملونة». وجاءت زيارة وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، إلى آسيا الوسطى في تشرين الثاني من عام 2015، هادفة إلى محاولة الحفاظ على المصالح الاقتصادية الأمريكية في المنطقة، لا سيما بعد تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة، وصعود الدور الصيني الفاعل في العالم.
تطل معظم منطقة آسيا الوسطى على بحر قزوين الغني بالنفط والغاز، إذ تتعدى احتياطاته أكثر من 150 مليار برميل من النفط، وتقدر احتياطاته من الغاز الطبيعي بأكثر من 75 ألف مليار متر مكعب. ذلك ما دفع وزارة الطاقة الأميركية للتأكيد على أن المنطقة وبحر قزوين تحتويان على ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم، بعد منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط. بينما تشير أغلب الدراسات إلى أن نسبة الاحتياطيات النفطية للمنطقة، تشكل حوالي 15% من إجمالي الاحتياطيات العالمية. وبالنسبة للغاز الطبيعي، فإن المنطقة تحتوي احتياطياً يعتبر الأول على مستوى العالم، بنسبة تصل إلى 50% من إجمالي احتياطي الغاز.
ليس لدى واشنطن ما تقدمه
في ظل تنامي العلاقات الاقتصادية بين آسيا الوسطى من جهة، وروسيا والصين وحلفائهما من جهة أخرى، تتراجع الهيمنة الاقتصادية فيها إلى حدود غير مسبوقة، ففي مقابل المشروع الأوراسي وطريق الحرير الصيني الجديد، ليس في جعبة الولايات المتحدة ما يزيد عن محاولات لإلحاق أكبر عدد ممكن من تلك الدول في ركب الدول التابعة إلى هيمنتها المتماوتة.
وعلى سبيل المثال، فإن السكك الحديدية العابرة للقارات هي جزء من نظرة استراتيجية إلى المستقبل تصوغها الحكومة الصينية، التي تنوي ربط محيطها الآسيوي عبر شبكة من طرق المواصلات والشحن والتجارة أخذت اسمها من «طريق الحرير»، لتكون «أوتوستراداً» يربط الشرق بالغرب، ينبثق من الصين ويتمحور حولها. هذا التعبير الجديد عن القوة الصينية يساهم برسم خريطة جديدة للعالم.
ويشكل القسم الذي يمر في آسيا الوسطى أحد أهم الأقسام فيه، إذ ستستثمر الصين ما يزيد عن أربعين مليار دولار في دول محيطها لرصف «طريق الحرير»، وأكثر من 16 مليار دولار ستنفق على البنية التحتية داخل الصين لتمكين التجارة على الطرق الجديدة. وقد بنت الصين، مثلاً، مدينة حديثةً من «لا شيء» على حدودها الغربية، اسمها «هورغوز»، لتكون مركزاً للمواصلات والخدمات اللوجستية والتجارة، وبوابة طريق الحرير باتجاه آسيا الوسطى.
التكامل مع قطب صاعد
تقع بلدان آسيا الوسطى ضمن مشروع التكامل الاقتصادي الروسي «الاتحاد الأوراسي»، وترتبط اقتصادات بلدان آسيا الوسطى مع الاقتصاد الروسي بشكل وثيق، خاصة كازاخستان، وأوزبكستان، وتركمانستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان، في العمل والتجارة والهجرة والبنية التحتية، وغيرها.
وقد تعزز التعاون الاقتصادي بين روسيا وبلدان آسيا الوسطى منذ عام 2010، ودخلت هذه البلدان إطار الاتحاد الجمركي الأوراسي خلال العام الماضي. كما ساءت علاقة قرغيزستان مع الولايات المتحدة منذ عام 2011، وأدى ذلك إلى إغلاق القاعدة الأمريكية فيها عام 2014. وقامت أوزبكستان بإغلاق القاعدة العسكرية الأمريكية عام 2005، وإغلاق القاعدة الجوية الألمانية عام 2008، في ظل تصاعد التعاون العسكري مع روسيا.