الخصخصة الأوروبية مقدمات التهميش والجريمة
جاء في تقرير لمؤسسة «ترانسبيرانسي انترناشونال» عام 2012، أن أوروبا تعتبر نفسها أنها أحد الأقاليم الأقل إصابة بالفساد في العالم. ومع ذلك، يشير التقرير إلى أنها لا تستطيع ضبط اللوبيات «كتل الضغط»، ولا جعل المواطنين يحصلون على المعلومات بسهولة، ما يسمح لـ«النخب السياسية» ورجال الأعمال بأن تستحوذ على الأموال بطرق غير مشروعة.
آلان كرد
يستنتج التقرير أن «الفساد في أوساط تلك النخب، ولا سيما في البلدان الأوروبية الواقعة على البحر الأبيض المتوسط، يمكن أن يضعف تلك البلدان، ويصعب عليها الخروج من الأزمة المتفاقمة في منطقة اليورو». بينما تشكل الخصخصة والتقشف في البلدان الأوروبية، العتبة التي يقف عليها الفساد ويزداد، ويزداد معه فقدان الناس لأعمالهم وتراجع دخلهم.
الخصخصة و«إعادة الهيكلة» العامة
تنفيذاً لسياسات الخصخصة والتقشف الليبرالية، قامت إسبانيا بتسريح 400 ألف موظف في القطاع العام، بينهم 30 ألف معلم مدرسة. وفيما أغلقت اليونان زهاء 1000 مدرسة، أعلنت كبرى البنوك العاملة في أوروبا والولايات المتحدة تسريح 100 ألف موظف في عام 2015، إضافة إلى تهديد آلاف آخرين بالتسريح في بنوك أخرى. كما أعلن بنك «يونكريديت» الإيطالي عن خطة تسريح 18200 موظف (ثلث الموظفين) خلال سنتين، بهدف تأمين مبلغ 1.6 مليار يورو.
في المقابل، أضرب عمال الطيران الإيطاليون، وتوقف من جراء ذلك 15% من الرحلات الجوية، بعد إضراب للطيارين في عام 2015. كما أضرب موظفو شركة «سيتي لاينر»، مطالبين بتقاضي الأجور نفسها التي يتقاضاها كبار الموظفين في الشركة.
وبحسب النقابات العمالية الإيطالية التي تدعو بشكل دوري إلى الإضرابات، فقد يفقد حوالي ألف موظف في صفوف الطيارين وأطقم الضيافة الجوية وظائفهم في عام 2016، ذلك في إطار خطة «إعادة الهيكلة» المستمرة للشركة، في حين رفضت إدارة الشركة حجج نقابة العمال، واستنكرت الإضراب باعتباره «لا يحترم الزبائن»..!
وفي هذا السياق، أضرب 300 عامل في برج إيفيل في باريس، مطالبين برفع أجورهم التي تقضمها خطط التقشف. واعتصم مئات البرتغاليين الغاضبين في شوارع العاصمة لشبونة، مطالبين بأموالهم التي ضاعت بعد إعلان مصرف «شبيريتو سانتو» إفلاسه العام الماضي.
وتراكمت أطنان من القمامة في شوارع باريس نهاية 2015، بسبب إضراب 4900 من عمال النظافة في المدينة، احتجاجاً على تدني أجورهم. وخرج عشرات الآلاف من المعلمين والتلاميذ في إيطاليا، استجابة لدعوة الإضراب العام، احتجاجاً على مشروع «الإصلاح التدريسي» الذي سيغلق المدارس ويسرح آلاف المعلمين.
فساد.. جريمة.. وتهرب
صدر التقرير السنوي لمنظمة «الشفافية الدولية» في الشهر الماضي، لقياس مستويات الفساد في العالم، وجاءت فرنسا في المرتبة 23 عالمياً، واسبانيا في المرتبة 36، فيما حصلت إيطاليا على المرتبة 61.
ويشير التقرير إلى أن الفساد تصاعد في البلدان التي تعاني من أزمات سياسية واقتصادية، وحسب تقديرات مجلس أوروبا، فإن الفساد يكلف الاتحاد الأوروبي حوالي 120 مليار يورو سنوياً، بينما تخلق صفقات الخصخصة الأرضية الملائمة للاستحواذ على الأموال. وتحذر «ترانسبيرانسي إنترناشونال» (الشفافية الدولية) من أن برامج الخصخصة في اليونان والبرتغال، باتت خطراً يهدد بفقدان معظم موارد هذه البلدان، ويلغي أية إمكانية لسداد الديون.
في هذا السياق، اعتبر تقرير «الشفافية الدولية» أن بلدان اسكندينافيا وألمانيا وبلجيكا والدانمارك وسويسرا هي أقل البلدان فساداً في أوروبا والعالم، بينما رصد التقرير ارتفاع مستويات الفساد في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وأوروبا الوسطى والشرقية.
وعلى هذا الأساس، صنف التقرير بلدان الشمال الغني بأنها «أقل فساداً»، وبلدان الأطراف الفقيرة «الأكثر فساداً»، وهنا يكمن، بحسب العديد من الباحثين، انحياز التقرير للمؤسسات المالية الكبرى، التي تكرس تبعية الأطراف للمركز.
وفي تقرير سابق- مناقض لتقرير الشفافية الدولية- أصدرته «المفوضية الأوروبية» سنة 2012 مع أرقام توضح حجم الفساد المرعب في أوروبا، اعتبر 18% من السويديين أن الفساد منتشر في بلادهم، وقالت وكالة الشرطة الأوروبية «يوروبول» إن الجريمة المنظمة أصبحت لها شبكات متطورة عبر أوروبا، ويبلغ عددها حاليا 3 آلاف شبكة..!
وتنتشر عصابات الجريمة المنظمة أساساً في بلغاريا ورومانيا وإيطاليا، لكن جرائم الإدارة مثل الرشا والغش الضريبي، متفشية في العديد من بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى، حتى تلك الغنية منها.