نقاط الارتكاز في الخارطة الدولية
نستطيع القول وبشكل قطعي إن الميزان الدولي المختل حالياً ونسبياً إلى مصلحة الشعوب لم ولن يستقر في الوقت القريب.
فالميزان الدولي مبني على توازنات محددة منها ماهو داخلي متعلق بالأوضاع الداخلية للبلدان العظمى والبلدان المفصلية، ومنها ماهو خارجي مرتبط بالصراعات والتناقضات بين الدول والتكتلات السياسية المختلفة.
إذا ما أردنا ترتيب الأوراق على ساحات الصراع الدولي سنجد ثلاث نقاط ارتكازية مبدئياً :
الأولى: هي الوضع الاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي.
الثانية: هي المنطقة العربية عموماً والوضع السوري خصوصاً.
الثالثة : هي منطقة أميركا اللايتينة ومايحدث بها من تغيرات جذرية هامة.
قد تبدو هذه النقاط متباينة مناطقياً ومتباينة أيضاً من حيث مستويات وأشكال الصراع القائم فيها، لكن المهم الآن هو تحديد الاتجاه العام للصراعات الأكثر وضوحاً حيث ستشكل جزءاً من الوضع العام المتغير في هذه اللحظات المفصلية.
-لنعد إلى النقطة الأولى حيث نجد ومن دون أدنى شك أن الأزمة الاقتصادية والتي تشكل قاعدة المتغيرات على المستوى الدولي مازالت مستعرة، كان آخر المؤشرات على ذلك هو تخفيض صندوق النقد الدولي لتوقعاته حول النمو في هذه البلدان مما يعني استمرار الركود في أكثر البلدان انتاجا واستهلاكاً. كما سيضاف إلى ذلك وضع أسعار البترول الذي سيتصاعد حكماً كلما زادت حدة الضغط على إيران، فرغم تطمينات السعودية بزيادة الإنتاج لعدم رفع أسعار البترول والذي يرفع من تكاليف الإنتاج وبالتالي يخفض الاستثمار والنمو، إلا أن هذه التطمينات لاتستطيع أن تغطي كل تقلبات الأسعار في حالات التوتر المستمر كما أنها أساساً ذات قدرة محدودة على تغطية نقص المعروض خاصة فيما لو توترت الأوضاع أكثر في منطقة الخليج.
-عند النقطة الثانية تشتبك الكثير من التفاصيل فعلى الأرجح أن الثورات والحراكات العربية لن تهدأ حتى في الدول التي أنجزت تغييراً ما في نظامها السياسي، حيث تنذر بعض الاحتجاجات أن الأوضاع مرشحة لثورات أخرى، فعلى سبيل المثال لم تهدأ سيدي بوزيد حتى اللحظة في تونس كما أن الإضرابات العمالية في مصر بلغت مستويات قياسية (18 اضراباً خلال 3 أيام شملت 2مليون عامل) .
تدخل تعقيدات الوضع السوري في مركبات النقطة الثانية ، إن الوضع السوري يمكن تبسيطه إلى حد ما إلى مستويين:
1- المستوى الداخلي البحت: وهو من الواضح أنه رهن استعصاء من الصعب كسره إلا إذا اختارت الأطراف المتصارعة الذهاب إلى حل سياسي.
2- المستوى المتداخل مع الخارج: وهو يزداد احتداماً على الحدود التركية السورية مثلما يزداد توتراً على الحدود الجنوبية مع الكيان الصهيوني الذي أرعبته طائرة حزب الله الاستطلاعية والتي أوصلت رسائل واضحة إلى الكيان، كما جاءت أيضا رسالة بانيتا وزير الدفاع الأميركي بنشر قوات أميركية في الأردن مؤشراً هاماً في تصاعد التوتر.
3- المستوى الإقليمي الذي يتضح فيه التوتر الإيراني الغربي نتيجة العقوبات والتهديدات الصهيونية المستمرة لإيران من الكيان الصهيوني، كما يشكل دخول العراق بعلاقات قوية مع الروس عبر صفقات التسلح الكبيرة تغيراً نوعياً هاماً ولافتاً.
من الممكن القول إن الوضع على الحدود التركية سيبقى محدوداً بسبب الوضع الداخلي المتوتر في تركيا كما أن الوضع في إيران أيضاً سيبقى دون تغيرات نوعية تذكر لكن على مايبدو أن هناك شيئاً ما يتحضر للضغط تجاه خنق السوريين أكثر فأكثر، فالحسم في النقطة السورية سيشكل دافعاً هاماً للولايات المتحدة لغذ السير تجاه الملف الإيراني وبالتالي حسم نقطة الإرتكاز في المجال العربي من البوابة السورية.
تبقى النقطة الثالثة في أقصى أميريكا اللاتينية واضحة المعالم، إن دور الولايات المتحدة هناك في أفول فقد أمن فوز تشافيز مجالاً حيوياً خصباً لتنامي دور اليسار الجذري وتطوير نموذجه الاقتصادي عبر تكتل « الألبا».
لاتملك الولايات المتحدة حالياً أية نقطة من نقاط الإرتكاز وهي غير قادرة على ضمان أي من التقلبات مما يعني اضطرارها لخوض معارك دفاعية على كل الجبهات وكل المستويات وهو مايتيح لأي مهاجم تكبيدها خسائر فادحة، لذلك لم تملك الولايات المتحدة إلا إعادة فتح باب الحرب على الإرهاب لإعادة الانتشار في نقاط الارتكاز مجدداً لكن ولسوء حظها هذه المرة لن تجد فراغاً من الأنظمة الهشة بل ستواجه شعوباً ذات تجربة نضالية هامة.