صراعات مستمرة والسودان ينعي أقاليمه
تلوح في الأفق بوادر حرب شاملة في السودان تضاف إلى الحروب التي تعيشها المنطقة العربية بالرغم من أنه قاسى تحت وطأة الحروب الأهلية والصراعات القومية عقوداً طويلة كانت كفيلة بإنهاكه فلماذا؟
يحتوي هذا البلد الكثير من الثروات الطبيعية حيث يقدر احتياطي النفط فيه حوالي 6مليارات و700مليون برميل وتنتشر على مساحات واسعة من أراضيه كإقليم اهجليلج ومنطقة الحفرة بولاية الواحة ولا يمكن إغفال منابع المياه في ولايتي النيل الأبيض والأزرق الشماليتين بالإضافة لمادة اليورانيوم في دار فور والعديد من الثروات المعدنية والزراعية وبعين مراقب يمكن إعتبار السودان سلة غذائية متكاملة وسلة اقتصادية لأفريقيا بأكملها
لم تغب هذه الصورة عن الأنظمة العالمية فتوجهت إليها الانظار فمن بلد أنهكته الانقلابات العسكرية لعقود طويلة عانى شعبه من الجوع والاقتتال ودفع الثمن غاليا الى انقلاب البشير الذي كان أكثر استبدادية وشمولية فقد دعمته الأنظمة الإمبريالية وذلك لإحكام سيطرتها على موارد الثروات ليعود النزاع يتأجج من جديد في منطقة جنوب السودان والتي أعلنت دولة مستقلة بعد استفتاء حق تقرير المصير منذ عام تقريبا
استمر النزاع حوالي عشرين عاماً مرّت خلالها الامبريالية العالمية بأزمتها الاقتصادية التي طالت الاقتصاديات الرأسمالية جميعها وعلى رأسها الولايات المتحدة التي كانت تحاول التحكم بحقول النفط استخراجا وبيعا وتسعيراً، والعملة المستخدمة في البيع والشراء، لحل مشكلاتها فمن حرب أفغانستان إلى قواعد عسكرية ضخمة في الخليج ثم حرب العراق لتبدأ الولايات المتحدة بمشروعها الجديد في السودان بإعلان محاكمة البشير دولياً واستمرار التصعيد إلى أن تمت التسوية على حساب تقسيم السودان العظيم إلى سودانين، الخرطوم بقيادة البشير بصورة جديدة صورة ضحية التآمر الخارجي بالرغم من أنه انشغل خلال فترة حكمه بقمع المعارضة الوطنية في الداخل عوضاً عن تنمية البلاد اقتصادياً واجتماعياً فبقيت الإثنيات والقبائل على حالها وكانت جوبا التي أعلنت ولاءها لإسرائيل الحليف الإستراتيجي لأمريكا.
اليوم يتعاظم الصراع حول عائدات النفط (حيث يعود نصف هذه العائدات للسودان الأم حسب اتفاقية السلام الشامل)
عندما أوقفت جوبا إنتاج النفط وأعلنت أنها ستمد خطوط نقل النفط عبر كينيا بعد أن حجزت الخرطوم 800مليون دولار كرسوم عبور غير مسددة ثم تم التحول إلى التصعيد العسكري بسلسلة الهجمات بين الطرفين أدى إلى تدمير المنشآت النفطية بالإضافة إلى الخلاف على ترسيم الحدود والجنسية ومن جهة أخرى تظهر الجماعات المعارضة للبشير في كاردوفان والنيل الأبيض شمالا لتزيد التوتر فضلا عمّن وصفهم وزير الخارجية السوداني بالمعارضين لجنوب السودان هذه الجماعات ظهرت كقوى مرتبطة بالخارج ارتبطاً بنيوياً ناهيك عن الخلاف حول دارفور الغنية باليورانيم وتحويل مجرى الصراع فيها إلى الطائفي كل هذه الظروف جعلت السودان تتصدر قائمة أولويات مجلس الأمن لفترة طويلة بالعودة إلى ماسبق يمكن القول إن السودان يتجه نحو تقسيم جديد يخدم مصالح أمريكية وإسرائيلية فإسرائيل التي باتت مهددة بانقطاع النفط المصري عنها ترى بجوبا البديل الأمثل كما أن السيطرة على مصادر المياه في الشمال سيشكل ورقة ضغط على مصر وهذا يجعل المنطقة بأكملها تخضع للقرار الغربي
بعد صدور قرار مجلس الأمن بفرض عقوبات على البلدين وتلويح كلينتون باتجاه الخرطوم ووقوف كل من روسيا والصين ضد هذا القرار أصبحت الأزمة السودانية رهينة التوازنات الدولية فالغرب الذي يحاول ربط الحراك الشعبي به وتجييره لمصالحه، سيسعى للحل حسب تلك المصالح وفي حال تعثر استصدار قرار يمهد لتثبيت قدميه في منطقة السودان سيلجأ إلى التصعيد عبر عملائه الداخليين لجر المنطقة إلى حرب شاملة يدفع ثمنها الشعب السوداني وأفريقيا بخسارته لمركز من مراكز ثقل اقتصادها والشعوب العربية باستمرار تقسيمه.