نوّارة نـجم: ربنا يستر
العداء المصري لإسرائيل لا يتوقف عند حدود القضية الفلسطينية، فهي قضية مصرية بالأساس، لها علاقة بمكانة مصر في المنطقة، التي لن تتحقق إلا بامتلاك سيادتها الكاملة على أراضيها، ومواردها، ومن ثم قرارها، فإذا ما امتلكت مصر كل مقدَّراتها، سينتج عن ذلك، بشكل آلي، العودة للدور الريادي التاريخي لها في المنطقة، الذي ذبل وتواري منذ تدجين مصر باتفاقية السلام، التي ترتب عليها تبعية أمريكية، تحرم الشعب المصري من موارده، ومن حريته، ومن حقه في اختيار من يمثله، ويخدم مصالحه، لذا، فقد حافظت الولايات المتحدة الأمريكية، ومن خلفها إسرائيل، على النظام الديكتاتوري العسكري، الذي يضمن أن لا تقوم لمصر ولا للمصريين قائمة، مما يتيح للكيان الصهيوني (الذي هو مشروع اقتصادي لخدمة النظام العالمي الجديد ذو صبغة دينية) السيطرة على المنطقة، والهيمنة التامة على الشرق الأوسط. خلاصة الحلزونة يا امّا الحلزونة اللي فاتت دي: وجود إسرائيل في الشرق الأوسط تهديد مباشر للأمن القومي المصري، ولمكانة مصر، وشعبها، وحقه في الحرية والعيش برفاهية وكرامة… حنفضل جعانين ما دامت إسرائيل تسيطر على مصر عن طريق وكلائها في حكمنا. الأمر الذي فطن له الشعب المصري، وهتف وهو يثور ضد مبارك: «مابيفهمش عربي.. كلموه بالعبري». وذلك بعد أن قالوها صراحة: «الشعب يريد إسقاط النظام».
الشعب، أراد إسقاط النظام التابع، الذليل، العميل، الجاسوس، لأنه جوّع الشعب، وأذله، ونهب ثرواته، وحطم إمكاناته الاقتصادية والعلمية والفكرية والسياسية والثقافية وحتى الفنية، لمصلحة العدو، فما كان من النظام إلا أن ضحّى بالرأس ليحمي بقاءه. أظن أننا اتفقنا على ذلك، بدليل أن «الثورة مستمرة» لتحطيم ما تبقى من النظام. لن يكون الأمر سهلا، لأن الحرب التي نخوضها، هي حرب استقلال، ولن تضحي الولايات المتحدة وإسرائيل بالحليف الأهم في المنطقة قاطبة بسهولة. ونحن، إن كان علينا، لا نحب أن نعادي أحدا، لكن ذلك الحلف هو ذات العدوان على حقنا، فالحلف يعني استمرار الحكم العسكري، واستمرار دعم العسكري لحماية الحدود الإسرائيلية، واستمرار منح الإسرائيلي المعونات من قوت الشعب المصري، غاز، وبترول، ومعادن، وخلافه. طب نعمل إيه احنا طاه؟ ماهم مش عايزين يتحالفوا بما يرضي الله، تَعوّدوا أن يفسدوا النخبة الحاكمة بالترغيب والترهيب حتى يتموا الخدمة على أكمل وجه. وعن نفسنا، إحنا شعب طيب ومابيحبش المشاكل، فقد صبرنا على نظام مبارك علّه يرتدع ويتقي الله، حتى إننا تضامنّا معه بعد موت حفيده أملا في أن يتعظ، وهو البعيد أبدا، لا موت بيوعظه، ولا صبر عليه بيردعه. ثم إنا صبرنا على المجلس العسكري، ونحن نعلم بكل مفاسده، عله يرغب في التوبة، فإذا به يقتلنا بسلاح أمريكي، ويصمت على قتل أبنائنا بأيدٍ إسرائيلية، بل ويصرخ في خيرة شباب مصر أمام السفارة الإسرائيلية: كله على رُكَبه.. من أجل حماية سفارة الكيان الصهيوني. إحنا على ركبنا! احنا اللي نزلنا فيهم بوس، بس طبعا يساوي كام البوس جنب المعونة الأمريكية؟ ثم صبرنا على البرلمان المنتخب علّه يقتص لنا ممن ألقوا بجثث الأبرياء في المزابل، فإذا به يتزلف للأمريكيين، ويجيب بخضوع وخنوع عن السؤال الأمريكي الأوحد: ماذا أنتم فاعلون بإسرائيل؟ واللي زاد وغطّى، بات البرلمان يتهم الثوار بالعمالة لجهات أجنبية، واللي فيهم يجيبوه فينا.
أخيرا، جلسنا بالتيتينة نهدهد أمورتي الحلوة حازم أبو إسماعيل وأنصاره، بينما تتحرك الحكومة المصرية من وإلى إسرائيل، لإعادة تنشيط اتفاقية الكويز، وأنا عمالة أقول: يا ناس.. يا عالَم.. إحنا قاعدين نهشتك في حازم، والمجلس العسكري وحكومته بيحضّروا لنا مصيبة وربنا.
نام الناس واستيقظوا على خبر سفر فضيلة المفتي إلى القدس! قال إنه ذاهب بصفة شخصية لا بصفته مفتي الديار المصرية، وإنه لم يحصل على الختم الإسرائيلي على جواز سفره، وإنه ذاهب بناء على دعوة مفتي القدس الذي طلب الدعم بالزيارة.
صلاة النبي أحسن، فليستقِلْ فضيلة المفتي من منصبه ولنرَ إن كان الديوان الملكي الأردني سيفتح له الأبواب بصفته الشخصية، وإن كان لم يحصل هو على الختم الإسرائيلي، فهل دخل دون إذن وعلم إسرائيل؟ يعني ينفع نلمّ مليون واحد، وننطلق في مسيرة من الأردن إلى القدس؟ وهل سيفتح لنا الديوان الملكي الطريق؟ وهل ستأذن إسرائيل للديوان الملكي بفتح أبواب بيت المقدس لمليون مصري قادمين من أجل دعم عروبة القدس؟ لو كده احنا راشقين.. والمليون دول نلمهم في نص ساعة، ومش رايحين نتخانق، احنا بقالنا سنة بنعمل ثورة وعايزين نغير جو، رايحين سلمية سلمية، حننام لهم في الشوارع… هاه؟ ينفع؟
■ نقلا عن جريدة التحرير