!عرب أمريكا، والأزمة السورية
إن مسألة دخول الانظمة العربية بهذا الزخم على خط الحركة الجماهيرية المتصاعدة عامة في العالم العربي مكان جدل وسؤال؟
وأغلب الظن أن عرب امريكا أوكلت لهم مهمة التحكم بمسار الحركات الجماهيرية الاحتجاجية في المنطقة كي لاتصل إلى نهاياتها المنطقية في بناء أفق وطني ديمقراطي يضع حداً لحالة التبعية والقمع والاستبداد التي ترزح تحتها شعوب المنطقة، باعتبارها الخطوة الأساسية في التحرر الوطني والاجتماعي الأمر الذي يقضّ مضاجع المراكز الدولية التي كانت وما زالت ترى في هذه الساحة ذات الأهمية الاستراتيجية مجالاً حيوياً لها، وفي ظروف اليوم تراها ساحة مناسبة لتفريغ الأزمة التي تعصف بتلك المراكز حيث الموقع الاستراتيجي، ومخزون الثروات الاستراتيجية الضرورية لتحريك عجلات الاقتصاد الرأسمالي المأزوم.
أن لجوء الادارة الامريكية الى مشيخات النفط كي تلعب دور عراب تدويل الأزمة السورية نابع من حقيقة أساسية وهي معرفتها بعدم ثقة الشعب السوري على طول الخط بالغرب الرأسمالي عموماً والامريكي خاصةً، فتم الاستعانة بمشيخات النفط المكروهة هي الأخرى في ثقافة الشعب السوري، ولكن من خلال تعقيدات الأزمة في الداخل، وحالة الاستعصاء المستمرة منذ شهور، وسلوك بعض القوى في النظام والاشتغال الإعلامي الخليجي على إحياء المزاج الطائفي، تحاول أن تجد لها موطىء قدم في الساحة السورية وتقدم نفسها كحامية للشعب السوري، من خلال التباكي على الدماء السورية النازفة، ومن خلال الدعم اللوجستي الخفي والمعلن لبعض قوى المعارضة السورية، ومن خلال فتح شاشات فضائيات البترودولار أمام رموز تلك المعارضة المتواطئة معها، والتي تحاول هي بدورها تسويق رجعيات الخليج كأصدقاء للشعب السوري في محنته الراهنة، وما بطاقة الشكر الأخيرة التي وجهها المجلس الوطني ورئيسه الليبرالي برهان غليون الى العاهل السعودي إلا دليلاً على ذلك، مع الأخذ بعين الاعتبار أن كل ذلك يهيئ التربة المناسبة لاستهداف ايران لاحقاً. والهدف الآخر من توكيل ملوك النفط بتدويل الأزمة السورية، هي احراج اللاعب القديم الجديد في الساحة الدولية أي روسيا، ومحاولة توجيه ضربة استباقية الى النفوذ الروسي المتصاعد على الساحة الدولية، وارباك محاولة هذه الأخيرة انشاء تكتل دولي جديد« مجموعة البريكس» يتصدى للهيمنة الامريكية على النطاق العالمي، حيث يشكل موقفه الراهن من الأزمة السورية اعلاناً صريحا على بدء مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات الدولية المعاصر تنهي عملية التحكم الامريكي بمصير العالم المستمرة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي.
وبالاضافة الى ذلك فان الرجعيات الحاكمة في الخليج العربي ترى أن أي تغيير وطني ديمقراطي شامل في البلدان العربية يشكل اهتزازاً لعروشها المتفسخة، وايذاناً بأفول شمسها، ومن هنا فليس أمامها إلا العمل على حرف مسار الحركة الجماهيرية إلى مصائر بائسة توقف حالة المد الثوري في الشارع والتي لن توفر تلك العروش بكل تأكيد، وبالتالي فانها إذ تدعو الى التدويل فإنها تدافع عن عروشها قبل أن تدافع عن شيء آخر.