انتفاضة الأقصى.. وغيبوبة شارون
حمذة المنذر حمذة المنذر

انتفاضة الأقصى.. وغيبوبة شارون

في الذكرى الحادية عشرة لانتفاضة الأقصى التي انطلقت شرارتها مع دخول أرئيل شارون إلى المسجد الأقصى، أعلنت حكومة بنيامين نتنياهو عن إقرار مشروع بناء 1100 وحدة سكنية- استيطانية في القدس الشرقية، والتي بلغ عدد المستوطنين توقيع اتفاقات أوسلو في 13 أيلول 1993 أكثر من مئتي ألف يهودي- صهيوني قدموا من بلاد عديدة وبعيدة جداً عن فلسطين، وتعود جذورهم إلى أكثر من خمس وستين مجموعة عرقية مختلفة لا رابط بينهم سوى الفكر العنصري الصهيوني!.

وبالعودة إلى الانتفاضة المجيدة، نذكر أنه ما بين بداية فجر الانتفاضة في 28 أيلول عام 2000 و27 آذار 2002، يوم إقرار ما يسمى بالمبادرة العربية في مؤتمر الجامعة اللاعربية، تحولت الانتفاضة الشعبية الفلسطينية في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة في 1967 وقبلها في الأراضي المحتلة عام 1948 إلى خيار شعبي جارف ومقاوم قادر على تغيير «قواعد اللعبة»، تؤيده شعوب المنطقة والعالم على طريق التحرير واستعادة الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني.

وهنا لم تتأخر قيادات النظام الرسمي العربي- كعادتها منذ 1948- عن تقديم يد العون للعدو الصهيوني، حيث بادرت سياسياً إلى إخماد انتفاضة شعب فلسطين من خلال إقرار «مبادرة» في مؤتمر القمامة والتي لا تعدو كونها إعلان استسلام وإذعان للكيان الصهيوني دون مقابل. وهذا ما حفّز قادة تل أبيب إلى اجتياح الضفة الغربية دون أي حساب لا لوجود السلطة الفلسطينية في رام الله، ولا للجيوش العربية التي تنوء أكتاف وصدور قادتها بما تحمله من رتب ونياشين!.

وليس من باب العاطفة نقول: إن «جنين غراد» لم تسقط، بل كان السقوط في أعين الشعب الفلسطيني وكل شعوب المنطقة من نصيب أولئك المتواطئين مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة ضد خيار المقاومة الشاملة. وستحفظ ذاكرة الشعوب أن أبطال «جنين غراد» قاوموا حتى الرصاصة الأخيرة ولم يستسلموا، ويذكر شاعر الشعب الفلسطيني محمود درويش في مقدمة قصيدته: «على الأرض الفلسطينية ما يستحق الحياة»: «أن فدائياً فلسطينياً اتصل بصديقه بالهاتف بعد نفاذ ذخيرته قائلاً: احكي لي نكتة قبل أن أستشهد!! ورداً على استغراب صديقه من طلبه قال: أريد أن أودع الحياة ضاحكاً»!.

ما أكبر الفرق من الوجهة الإنسانية وعظمة الشجاعة الأسطورية بين مقاوم يستقبل الاستشهاد بالابتسامة دفاعاً عن الوطن وثقة بالنصر لاحقاً على أيدي أمثاله من المقاومين، وبين مهزوم خائف على كرسيه وثروته من أبناء شعبه!.

وإذا أرئيل شارون دخل في غيبوبة نهائية ولا حتى الإعلام الإسرائيلي يذكر عنه شيئاً، فإن قادة النظام الرسمي العربي هم أيضاً في حالة موت سريري يتنفسون اصطناعياً عبر مضخات الدعم الخارجي إلى أن يحين موعد انتهاء صلاحيتهم!.

إن صرخة الفدائي الفلسطيني من جنين غراد وجدت صداها بعد أقل من شهرين في تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الصهيوني على أيدي المقاومة اللبنانية، وهي تترسخ الآن في مسيرة الآلاف من المقاومين ضد الاحتلالين الإسرائيلي والأمريكي في هذا الشرق العظيم!.

توهم المساومون والمفرطون بالحقوق الوطنية أن المفاوضات مع العدو يمكن أن تحرر أرضاً- حتى لو كانت ناقصة- فاكتشف حتى أولئك الذين انخدعوا بتلك الوعود من عامة الناس أن التخلي عن خيار المقاومة يكرس الاحتلال ويلغي أية إمكانية للتقدم نحو استعادة الحقوق الوطنية، خصوصاً بعد أن وصلت مشاريع التهويد والاستيطان إلى مستوى لم يعد هناك أرض تكفي حتى لإقامة «كانتون» فلسطيني تابع للاحتلال.

وهاهي وقائع تقديم «طلب الاعتراف» بالدولة الفلسطينية في أروقة الأمم المتحدة تثبت من جديد أن من ينتظر قيام الدولة دون العودة إلى خيار المقاومة الشاملة، هو كمن ينتظر استواء «طبخة البحص» المستمرة منذ عام 1948 وحتى اليوم!.