باكستان و«شبكة الحقانيين» ....آخر معزوفات التهديد ضد أمريكا ونهاية التاريخ
◄ د. بول غريغ روبرتس
ترجمة وإعداد: قاسيون
أظن أن أحداً لم يسمع يوماً بـ«الحقانيين»؟ مثلما لن يسمع أحد بتنظيم القاعدة قبل 11/9. يلمع نجم «شبكة الحقانيين» (Haqqani Network) فجأة، وتبرز عندما تستدعي حاجة الولايات المتحدة تبرير حربها التالية: حرب باكستان!!
بعد أن أعلن الرئيس أوباما قضاءه على أسامة بن لادن مبدداً المخاوف من تهديد الفزاعة الذي استمر طويلاً، ولم يعد مخيفاً ولا ضخماً ذاك التنظيم الذي ترك زعيمه أعزل بلا حماية، قابعاً كبطة تنتظر طلقة صيادها! آن أوان بروز فزاعة جديدة أكثر إرعاباً بمايضمن إدامة عمر «الحرب على الإرهاب».. فغدا اليوم الحقـّانيون «أسوأ أعداء» الولايات المتحدة، بل، وعلى العكس من تنظيم القاعدة الذي لم يكن مرتبطاً يوماً ببلد محدد، تعتبر شبكة الحقانيين «الذراع الفعلية» لجهاز المخابرات الباكستانية «ISI»، وفقاًللأدميرال «مايك مولن»، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة.
وتزعم واشنطن أن المخابرات الباكستانية هي التي أمرت شبكة الحقانيين بالهجوم على القاعدة العسكرية الأمريكية في محافظة «ودك» وعلى السفارة الأمريكية في العاصمة الأفغانية، كابول، في الثالث عشر من شهر أيلول. فالسيناتور الأمريكي «ليندسيغراهام»، عضو لجنة الخدمات العسكرية وأحد أهم دعاة الحرب الجمهوريين، أعلن أن «جميع الخيارات مطروحة على الطاولة» مؤكداً للبنتاغون أن فكرة شن هجوم عسكري أمريكي على باكستان تحظى بتأييد واسع في الكونغرس يشمل كلا الحزبينالجمهوري والديمقراطي.
ومع قيام الولايات المتحدة بقتل العديد من المدنيين الأفغان بواسطة الطائرات الموجهة بلا طيار، وإجبارها الجيش الباكستاني على مطاردة تنظيم القاعدة في كافة أرجاء باكستان، ضمن عمليات أدت إلى تهجير عشرات ألوف الباكستانيين وأزيد، لا بد من أنالسيناتور غراهام يضمر ما هو أعظم في نفسه. وهذا ما تعتقده الحكومة الباكستانية أيضاً. مما حدا برئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني إلى إعادة وزير خارجيته من مباحثات كان يجريها في واشنطن، وأمر بعقد اجتماع طارئ للحكومة لمناقشةاحتمال الغزو الأمريكي لباكستان.
وفي الوقت ذاته، علاوة على استحداث بدعة تهديد الحقانيين، تسعى الولايات المتحدة إلى مراكمة مزيد من المبررات بما يكفي لتبرير شن الحرب على باكستان، من قبيل أن «باكستان دولة غير مستقرة تملك أسلحة ورؤوس نووية معرضة للوقوع في الأيديالخطأ»؛ أو أن «الولايات المتحدة لا تستطيع تحقيق الانتصار في أفغانستان ما لم تقضي على الملاذات الآمنة في باكستان»؛ وما شابهها من ترهات.
هذا وتحاول واشنطن تكثيف الضغوط على باكستان لتوريطها في شن عملية عسكرية واسعة ضد مواطنيها في شمال وزيرستان، لكن باكستان لديها ما يكفي من الأسباب لرفض هذا التوجه، ويبدو أن استخدام الولايات المتحدة لبدعة «تهديد الحقانيين»المحدثة كمبرر للغزو، هو طريقة واشنطن في التغلب على رفض باكستان لتنفيذ العملية العسكرية في وزيرستان!! أو لعلها مجرد مسرحية تؤديها الولايات المتحدة لتسويغ الهجوم على بلد إسلامي آخر، حسبما يعتقد بعض القادة السياسيين ويخيف الحكومةفي باكستان.
وهذا ما «جنته على نفسها براقش» الباكستانية بعد سنين طويلة من الخدمة لدى الأمريكيين كدمية. فقد سمحت باكستان للأمريكان بشراء الحكومة، وبتدريب وتجهيز جيشها، وترسيخ تعاون مخابراتها مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. فما بوسعحكومة تابعة لواشنطن بهذا القدر أن تفعل عندما تبدأ واشنطن بانتهاك سيادتها بإرسال الطائرات القاذفة وفرق قواتها الخاصة بغية القضاء على تنظيم القاعدة المزعوم، حاصدة أرواح الأطفال والنساء والفلاحين؟! وأمام عجزها عن إخضاع حفنة من مقاتليطالبان في أفغانستان بعد عقد من الزمان، حمـّلت واشنطن مسؤولية إخفاقها العسكري لباكستان، مثلما سبق لها أن ألقت على إيران، بدعمها للمقاومة العراقية ضد الاحتلال، مسؤولية فشلها الذريع في العراق.
والأدهى، أن بعض المحللين المطلعين على خبايا الأمور، والذين لا يمكن أن نسمعهم عبر وسائل الإعلام يقولون إن المجمع الصناعي العسكري – الأمني الأمريكي بالتعاون مع بغايا المحافظين الجدد، قد يكونون منشغلين بالتحضير لشن الحرب العالمية الثالثةقبل روسيا والصين. حيث، بسبب القمع، يدور قسم كبير من سكان روسيا في فلك الأمريكان، وهذا القسم من الروس يثق بواشنطن أكثر مما يثق ببوتين!! بينما ينشغل الصينيون بمتاعب النمو الاقتصادي السريع بما يلهيهم عن التحضر للحرب وأبعد ما يكونعن أن يشكلوا أي نوع من التهديد!! فالحرب، مهما يكن، هي شريان حياة المجمع العسكري – الأمني مثلما هي الوسيلة الفضلى للمحافظين الجدد من أجل تحقيق هدفهم المتمثل بفرض الهيمنة الأمريكية.
تشترك باكستان بالحدود مع الصين وبعض دول الاتحاد السوفييتي سابقاً، حيث تقيم الولايات المتحدة الأمريكية قواعدها العسكرية قرب حدود روسيا، ولذلك فإن شن حرب على باكستان واحتلالها قد ينبه روسيا والصين ويوقظهما من غفلتهما. وبما أن كلاًمنهما يملك ترسانة نووية، فقد يغدو طمع المجمع العسكري – الأمني بالأرباح وطمع المحافظين الجدد بتحقيق الإمبراطورية هو العامل الحاسم بانقراض الحياة على الكرة الأرضية.
أما الوطنيون والسوبر وطنيون الذين سيقعون في حبائل المجمع والمحافظين الجدد بأعلامهم المرفرفة، فسوف يعززون «نهاية الأزمان» التي يتحمس لها المنشدون الإنجيليون، الذين سيصعدون إلى السماء بينما تموت بقيتنا على الأرض.
ليس هذا ما كان يأمله ريغان كنتيجة لانتهاء الحرب الباردة، أليس كذلك؟!