2016.. «تنبؤات جيوسياسية» لعام حافل
تحت هذا العنوان، وضعت مجموعة «Katehon»، التي تقدم نفسها على أنها مجموعة دولية من الخبراء والصحفيين والمحللين في المجالات الأمنية والجيوسياسية، المعنيين بقيام عالم متعدد الأقطاب ومبني على ميزان القوى الدولي الفعلي، بعض «التنبؤات الجيوسياسية» لعام 2016، التي يهمنا أن نؤكد أنها لا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة «قاسيون»، بقدر ما تساهم في الإضاءة على بعض أبرز الملفات الدولية التي سيشهدها هذا العام.
ستواصل الهيمنة الغربية المتراجعة نصب الفخاخ والألغام السياسية للتحالف الروسي- الصيني خلال العام الحالي وما يليه. من دول أمريكا اللاتينية، إلى بحر الصين الجنوبي، يحاول الغرب أن يفعل ما في وسعه للحفاظ على هذا التحالف في حالة انشغال دائمة. لكن الإمبراطورية تعاني من التعب، ومن تكرار أخطائها. لذا، فإن هذه الإمبراطورية المتعبة قد تواصل مكرها وبراغماتيتها اليقظة، قبل الذهاب بعيداً..
الولايات المتحدة وانتخاباتها
تظهر الهيمنة الأمريكية المتراجعة والمنسحبة وجهها الحقيقي بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث سيكون على رئيس الجمهورية اللاحق أن يتخذ قرارات هامة من شأنها أن تجيب على ما إذا كان ينبغي اتباع سياسة «الخروج الناعم» أو «الخروج الخشن» من مرحلة الهيمنة.
استطلاعات الرأي العام الحالية تشير إلى أن «الحزب الجمهوري» قد يفوز بالرئاسة الأمريكية. وإذا ما حدث ذلك، فمن المتوقع، بحسب الباحثين، أن الولايات المتحدة ستنكفئ على سياساتها الداخلية، وستبحث عن «مخارج ناعمة» من مرحلة الصدارة العالمية، رغم أن ذلك لن يمنع على الأغلب تصاعد التوترات العرقية، وعمليات إطلاق النار الجماعي في الولايات الأمريكية خلال عام 2016. ولا نستطيع أن نستبعد أي احتمال لهجوم «إرهابي إسلامي» على أراضي الولايات المتحدة، في تكرار هزيل لحادثة 11 أيلول محبوكة النتائج.
ومن المتوقع أن تنمو التهديدات الإرهابية إلى مستويات لا تطاق في الفترة التي ستسبق استحقاق الانتخابات الرئاسية في أواخر عام 2016. كما ستواصل الولايات المتحدة، مع لوبيات قوتها الأربع (نخب وول ستريت، والمجمع الصناعي العسكري، واللوبي الصهيوني، والسعودي)، المحاولات الهادفة إلى عرقلة مشاريع التكتلات البديلة، التي من شأنها أن تكشف التراجع الأمريكي وتعريه. أما الثابت، هذا العام أيضاً، فهو أن الولايات المتحدة لا تريد حرباً تجبر فيها على وضع أقدام جنودها على الأرض المستهدفة.
أمريكا اللاتينية: تحكم مدروس
معظم دول أمريكا اللاتينية ستعاني خلال عام 2016 من انخفاض أسعار النفط عالمياً، وانخفاض الطلب الصيني على المعادن. من ناحية أخرى، ومع انضمام ثلاث دول لاتينية إلى مشروع «الشراكة عبر المحيط الهادي» الخاضع للقيادة الأمريكية، سنرى استثمارات أمريكية قد تكون كبرى في دول البيرو والمكسيك وتشيلي، وقد تكون هذه الدول أكثر استقراراً أمنياً مقارنة بغيرها خلال هذا العام.
قد يتأثر الاستقرار السياسي الداخلي في البرازيل كثيراً من جراء الأزمة الاقتصادية. ومن المتوقع أن يزداد ضغط أسعار النفط المنخفضة، التي تضر بالاقتصاد الفنزويلي المعتمد أساساً على صادرات النفط بشكل كبير، ولهذا، من الممكن التنبؤ بأن التدهور الاقتصادي المحتمل في فنزويلا، من شأنه أن يفتح معارك كبرى حول استقرار النظام الاجتماعي والسياسي في الداخل. وفي عام 2016، قد نشهد أعمال شغب «مدروسة» في البلدان الأكثر استقلالاً: فنزويلا والبرازيل والبارغواي وبوليفيا.
أوروبا: ما هو مستقبل الاتحاد؟
قد ترتفع الكراهية العنصرية والدينية اتجاه غير الأوروبيين في عام 2016 إلى نقطة الغليان، حيث ستؤثر الأزمة الاقتصادية على عموم القارة الأوروبية بشكل أكثر عمقاً، بما يجعل «نسيج» الاتحاد الأوروبي أكثر هشاشة، لأن ضعف التنسيق العميق بين القوى الأوروبية، سيخلق المزيد من الفوضى، وسيقود نحو تفكك الاتحاد الأوروبي في المستقبل.
خلال 2016، ستزيد المجموعات السياسية اليمينية، وأنصار اليمين المتطرف، وجودهم في أنحاء أوروبا كلها، كما ستكثف أوروبا من مخاوفها: «عدم الاستقرار التركي، والإسلاموفوبيا، وروسيا فوبيا عند البعض، والتهديدات الإرهابية». لذلك، من المتوقع أن نرى في عام 2016 بعض المؤشرات الهامة للانقسامات الكبيرة التي قد تكتسح المشهد الأوروبي في المستقبل. لكن لن نشهد حروباً حقيقية في الداخل الأوروبي. فقط الأراضي التركية، هي المرشحة لتواجه خطر الدخول في موجة أولى من حرب أهلية محتملة.
على امتداد مرحلة الهيمنة الأمريكية، حاولت واشنطن تطويق المنطقة الأوراسية باتفاقات سياسية واقتصادية وعسكرية كبيرة، هادفة إلى احتواء الطمع الكبير جداً في الموارد الهائلة على الصعيد العالمي. وفي هذا العام، قد تحاول الهيمنة الأمريكية المنتهية إحياء الصراعات القديمة التقليدية في منطقة البلقان، مما قد يسبب بعض «الصداع» للقيادة الروسية.
شرق المتوسط وأفريقيا: ماذا عن تركيا؟
من المتوقع أن يصل التدخل العسكري في اليمن إلى مستويات أخرى. قد يصعد «التحالف السعودي» بالإنابة عن الولايات المتحدة ضرباته ضد اليمن، في سياق فشل الأدوات التقليدية التي استخدمت في عام 2015. الثابت أن سورية ستتحرر من تنظيم «داعش» والجماعات الإرهابية الأجنبية، إذ على الأغلب أن يتدرج الهدوء في سورية ليصل إلى ذروته في نهاية العام، بينما قد يجري تكثيف الحرب بالوكالة على العراق وليبيا من الكتلة القطرية التركية السعودية، المباركة من الغرب.
في عام 2016، ستوقع إيران بعض الصفقات التجارية والأمنية الكبيرة مع الصين وروسيا والهند، بما سيجعلها تتبوأ مرتبة جيدة مع ما تملكه من موارد طاقة ضخمة، تتناسب مع كونها شريكاً تاريخياً لطريق الحرير القديم والجديد.
وفي عام 2016، قد تتصاعد المواجهات العسكرية بين الحكومة التركية والتنظيمات الكردية، بما يكفي لدفع تركيا نحو حالة من الحرب الأهلية. بينما ستواصل دول مثل السعودية العربية وقطر، وبعض الدول الخليجية، مساندتها للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، للبقاء على رأس السلطة. في المقابل، قد نرى محاولات روسية- صينية- إيرانية لمساعدة الأحزاب السياسية الكردية. وفي الحالتين كلتيهما، فإن تركيا قد تكون ساحة كبيرة للمواجهة في هذا العام.
في أفريقيا، ألحقت عوامل الاحتلال الأوروبي، والقواعد العسكرية الأمريكية، ونهب الموارد المعدنية، والصراعات القبلية على النفوذ في شرق المتوسط، الكثير من الضرر بالاستقرار الاجتماعي الأفريقي. وفي قلب الصراع الجيواستراتيجي، من المتوقع أن يستقدم الغرب قوات بالوكالة، لمجابهة النفوذ الصيني المتنامي في القارة السمراء، ولعرقلة منتدى التعاون بين الصين وأفريقيا «FOCAC».
وسط وجنوب آسيا
من الممكن للتوتر الروسي- التركي أن يؤثر بشكل كبير على دول آسيا الوسطى، إذ من المتوقع أن تحاول تركيا استخدام ورقة بعض المتطرفين في هذه الدول للضغط على الحدود الروسية ومحيطها الحيوي، وهذا تفصيل جزئي قد لا يحصل. أما استراتيجياً، فإن هذه النقطة ستكون جدية للغاية بالنسبة للطرفين الروسي والصيني لمواجهة العقبات التي بدأت المراكز الغربية للتو في زرعها داخل آسيا الوسطى. لذلك، قد نرى «مشاريع كبرى» وصفقات اقتصادية وسياسية من العيار الثقيل في هذه المنطقة. ومع الاتفاقات الأمنية بين روسيا وكل من قرغيزستان وكازاخستان وطاجيكستان، بالإضافة إلى معاهدة الأمن الجماعي، سيكون نفوذ الولايات المتحدة في آسيا الوسطى في تضاؤل مستمر. وعليه، ستكون فرص زعزعة الاستقرار في آسيا الوسطى منخفضة جداً.
بهدف احتواء الصين، ومشروعها «حزام واحد، طريق واحد»، فإن الغرب سيعتمد على ما يمكن المناورة به على الساحة الهندية. فالهند قد ظهرت كقوة إقليمية فاعلة في جنوب آسيا، تظهر نمواً اقتصادياً جيداً، وواحدة من أكبر الدول المستهلكة في العالم، حيث باتت تشتري كميات كبيرة جداً من الأسلحة من روسيا والولايات المتحدة وفرنسا، لحماية نفسها من التهديدات الداخلية والإقليمية. وبعد خسارة نفوذها مؤخراً في نيبال، فإن الهند بحاجة إلى توطيد علاقاتها مع باكستان وبنغلادش، فيما لو قررت التمحور مع الغرب. لذلك، فإن العام المقبل، هو عام الحسم الهندي في التوجهات الاستراتيجية الكبرى، التي تميل كفتها حتى الآن لمصلحة العلاقات القوية مع روسيا والصين.