ليبيا: شمال أفريقيا على سكة التسويات
في إطار المحاولات الحثيثة لإزالة ما تبقى من عراقيل في وجه تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، ينفتح فصل جديد من الجهود الدولية لحل الأزمة الليبية سياسياً، وسط رفض علني أو مبطن من بعض أطرافها، مما يثير الشكوك حول جدية داعمي هذه الأطراف في إخراج البلاد من تلك الأزمة.
حتى الأمس القريب، ظل بعض المجتمعين في مدينة الصخيرات المغربية ينظرون بعين من «الترف السياسي» إلى المبادرات الدولية المقدمة على شكل مسودات اتفاق، ذلك على حساب أمن الشعب الليبي واستقراره المنشود. ولم يكن لهذا «الترف» أن يستمر طويلاً، لولا رسم خارجي- من هذه الجهة أو تلك- لهوامش التعنّت التي أبدتها القوى الليبية.
الافتراق الأوروبي الأمريكي.. و«التهديدات»
ترى الدول الأوروبية، التي رعت الإرهاب طويلاً في ليبيا، أن هذه التنظيمات التي تتنامى قوتها قد حولت ليبيا إلى منصة تدريب وتصدير للإرهاب الدولي. لذلك، ومن موقع الحريص على إزالة المخاطر التي لا يرعاها هو بنفسه، تضغط الدول الأوروبية نحو حل سياسي ليبي ينهي الأذرع الفاشية، ويمهد الطريق أمام تدخلات أوروبية سياسية في ليبيا.
في المقابل، أوضح حجم التدخلات الخارجية في الصراع الليبي، بالوقائع، مدى التأثير الأمريكي والتركي والعربي المتشابك في إعادة الاستقرار للبلاد. من هنا، يمكن فهم فشل المحاولات الأوروبية ذات الغطاء الدولي، في إنهاء الأزمة الليبية باكراً. ويبقى الحديث عن «جدية نسبية» للأوروبيين نابعاً من كونهم على تماس مباشر مع الجار الساحلي.
في انعكاس لهذه اللوحة التي تحكم المشهد الليبي، استطاعت الأمم المتحدة الدفع بالمتحاورين في مدينة الصخيرات إلى القبول بـ«اتفاق مبدئي» في الثامن من شهر تشرين الأول الماضي، يقضي بإنشاء حكومة وحدة وطنية، تضم ستة مرشحين للمناصب الرئيسية، وسط ترحيب أوروبي وصمت أمريكي يبين حجم الهوة بين المصالح الأوروبية والأمريكية في ليبيا.
تبع الصمت الأمريكي دعوة قائد القوات الليبية في حكومة طبرق، اللواء خليفة حفتر، إلى تصعيد العمليات العسكرية في مدينة بنغازي عبر عملية «حتف»، كما رفض برلمان طرابلس الاتفاق بحجة تجاهل الأمم المتحدة لتعديلات على مسودة الحوار، ما دفع مجلس الأمن إلى «تهديد» الأطراف المعرقلة لعملية السلام في ليبيا بفرض عقوبات عليهم، ما أفضى إلى استمرار المشاورات بين الأمم المتحدة والأطراف المتنازعة، لتنتج تعديلاً بداية هذا الشهر، قضى بتشكيل مجلس رئاسي يشمل تسعة أعضاء بدلاً من ستة، حسب المقترح السابق.
مبعوث جديد..
تماشياً مع المرحلة؟
أثارت قضية إشراف المبعوث الدولي إلى ليبيا، برناردينو ليون، على أكاديمية دبلوماسية في الإمارات- في الوقت الذي تسرّبت فيه أنباء عن توريدات أسلحة إماراتية إلى ليبيا، رغم العقوبات المفروضة من مجلس الأمن بهذا الخصوص- موجة من الاعتراضات التي انتهت بقيام الأمم المتحدة بتعيين الدبلوماسي الألماني، مارتن كوبلر، مبعوثاً دولياً إلى ليبيا، يفترض به من الناحية الإجرائية الظاهرية أن يتابع عمل سلفه، ويستكمل نواقصه. ولكن بالجوهر عملياً يبقى الواضح هو أن الوضع القائم في عموم شمال أفريقيا لا ينفصل عن طبيعة الصراع الجاري اليوم في شرق المتوسط، فرغم التسويفات الطويلة في إنجاز حل سياسي يضمن وقف إطلاق النار في ليبيا، إلا أن المرحلة الجديدة التي تشهدها المنطقة باتت تشي بتسارع مسار الحلول السياسية على حساب غيرها من المسارات، ليبقى أمام القوى المتراجعة إمكانية المحاولة للتحكم بمخرجات الحلول السياسية.