هل تأكل واشنطن أبناءها في العراق؟!
في ضوء اشتداد النشاط العسكري ضد الإرهاب في سورية والعراق، تقف الولايات المتحدة أمام مفترق طرق، بين الاستمرار في استثمار أدواتها الفاشية في المنطقة، أو اللحاق في ركب القوى الدولية المشاركة بقوة في ضرب معاقل التنظيمات الإرهابية، وهي العملية التي بدأها الجانب الروسي، وتلحق به اليوم مجموعة من الدول تباعاً.
عمل الجيش العراقي وقوات «الحشد الشعبي» منذ أواسط تموز الماضي على التحضير لمعركة تحرير الأنبار، انطلاقاً من مدينة الرمادي التي تعتبر مركز المحافظة، وسط تذبذب واضح في السلوك الأمريكي اتجاه العملية العسكرية المعلنة.
انتقائية الإسناد الجوي
بعد إطلاق عملية تحرير الأنبار بأيام، أكد عضو مجلس المحافظة، راجع العيساوي، أن قوات «التحالف الدولي تدّعي بأنها تقوم بتوفير الغطاء الجوي للقوات الأمنية العراقية، والقوات المساندة، علماً أن قادة القطعات العسكرية المشاركة في الحملة الأمنية هي التي تقوم بعملية المتابعة والتخطيط للمعركة، دون مشاركة قوات التحالف الدولي بهذه المهمة».
في أوائل أيلول، ادعى «التحالف الدولي»، بقيادة الولايات المتحدة، مشاركته في العمليات العسكرية بمحافظة الأنبار. لكن إسناد «التحالف» للقوات المتقدمة ظلَّ في حدوده الدنيا، ما انعكس تقدماً بطيئاً للقوات العراقية على الأرض، وسقوط خسائر كبيرة في صفوفه وصفوف القوات المساندة له. رغم ذلك، تمكنت هذه القوات من تحرير مدينة بيجي في محافظة صلاح الدين وسط البلاد، واستمرت في إحكام الطوق حول الرمادي، استعداداً لعملية كبرى هناك.
مع اكتمال التحضير لهذه المعركة، على صعوبتها، تضع الوقائع الميدانية «التحالف» الأمريكي في العراق على محك خيارات المعركة المنتظرة. إذ تنفتح الأسئلة حول مقدار مشاركة القوات الأمريكية بشكل فعال مع غرفة عمليات الأنبار، وربما ضرورة التواصل مع الغرفة التي أعدها الروس للتعاون الاستخباراتي في بغداد. ما يعني، في المحصلة الميدانية، انحسار تمدد التنظيمات الإرهابية أكثر فأكثر في العراق، ليطفو على السطح السؤال حول جدوى البقاء الأمريكي في العراق بعد آجال زمنية منظورة، وهو ما أملت الإدارة الأمريكية في تأجيله سابقاً عبر تصريحها أن العمليات العسكرية ضد «داعش» تحتاج إلى 10 سنوات!
في المقابل، فإنه وفي حال التأخر الأمريكي بتقديم الإضافة النوعية إلى معركة الأنبار ثم الموصل، فإن المناخ الدولي السائد والمتطور في المنطقة قد يحمل نتائج تتعدى انخفاض النفوذ الأمريكي في العراق، إنما قد تصل إلى الخروج المذل من الباب الواسع للمنطقة، بالتوازي مع استمرار نجاح الضربات الروسية في تحقيق تقدم كبير على الصعيدين الميداني والسياسي على الساحة السورية، بما يحمله هذا التقدم من آثار على المنطقة برمتها والعراق على وجه الخصوص.
الحرب الحقيقية
في هذه المرحلة من تطورات المنطقة المشتعلة، تظهر انعكاسات التراجع الأمريكي في تسارع الاستحقاقات واتخاذها أبعاداً دولية، ما يضع واشنطن أمام حسابات معقدة، في ظل تشابك ملفات المنطقة. فالتنسيق الدولي في سماء المنطقة أصبح يجري في غرف أوسع من غرف «التحالف الدولي» الذي تقوده واشنطن، وهو ما يعني في نهاية المطاف حرباً جدية على الإرهاب، خلافاً للسياسات الأمريكية السابقة.
يتجه العالم اليوم نحو حرب حقيقية على الإرهاب، مستندة إلى ميزان قوى دولي جديد، يدفع الولايات المتحدة مرغمة إلى المشاركة في دفن إحدى أدواتها الفاشية المتمثلة بتنظيم «داعش»، وهو ما يذكر إلى حد بعيد في المساهمة الأمريكية المتأخرة جداً في الحرب ضد الظاهرة النازية التي رعتها وسكتت عنها طويلاً.