واشنطن تبحر: نحن عاجزون عن بيان..!
تضيق السبل أمام الولايات المتحدة الأمريكية، وتوصد أبواب شرق آسيا في وجهها، وإن كانت لا تزال تحتفظ بجزء من وزنها في آسيا، إلا إن محاولاتها لتوريط دول شرق أسيا بالتصعيد في بحر الصين الجنوبي لا تزال مهمة ليست سهلة الإنجاز.
ترتفع حدة التوتر في بحر الصين الجنوبي، بعد أن اخترقت السفينة الحربية الأمريكية «USS Lasen» المياه الإقليمية الصينية مؤخراً. وفيما لا تزال نتائج هذا العمل الاستفزازي تتفاعل حتى اللحظة، رفعت الفليبين دعوة قضائية ضد الصين في محكمة لاهاي.
جاء الرد الصيني على هذه الخطوة على لسان نائب وزير الخارجية الصينية، ليو تشين، الذي صرح بأن «بكين لن تعترف بأي قرار قضائي حول جزيرة سكاربورو وجزر سبارتلي الواقعة في بحر الصين الجنوبي»، مؤكداً أن: «الفلبين تسعى إلى نقض حقوق الصين التاريخية على تلك الأراضي». بدوره، حذر الجيش الصيني واشنطن من «مواصلة الاستفزازات»، مؤكداً «لسنا خائفين من الحرب». كما بدأت قوات الجيش الصيني بمناورات بحرية واسعة النطاق، شاركت فيها أحدث مقاتلات سلاحه البحري.
اتهام صيني
في ختام قمة وزراء دفاع دول اتحاد جنوب شرق آسيا «ASEAN» التي عقدت في ماليزيا خلال الأسبوع الماضي، أوعزت الولايات المتحدة الأمريكية لبعض دول المجموعة على إضافة فقرة تدين النشاط الصيني في بحر الصين الجنوبي، فيما شدد الوفد الصيني المشارك في أعمال المؤتمر على تجنب التعرض لحق الصين في استحداث الجزر الاصطناعية السبع في البحر، تماشياً مع موقف وزارة الدفاع الصينية التي أكدت أن: «دولاً معينة من خارج المنطقة تحاول إقحام مواضيع لا علاقة لها بالمؤتمر في البيان الختامي لأعماله».
ساعات من الكباش الأمريكي الصيني في المؤتمر، خلصت إلى إنهاء أعمال القمة دون صدور بيان ختامي عنها، ليضطر بعدها المسؤولون الأمريكيون لحفظ ماء الوجه، عبر تصريحاتهم التي اعتبرت أن إنهاء القمة دون بيان ختامي «أفضل من أن يصدر هذا البيان متجاهلاً موضوع بحر الصين الجنوبي»..!
ضربة «ASEAN» مقابل رحلة كارتر
في موازاة التصعيد الذي جرى في قمة «آسيان»، أعلن وزير الدفاع الأمريكي، آشتون كارتر، يوم الأربعاء 4/11/2015، نيته «الإبحار شخصياً» على متن حاملة الطائرات الأمريكية «USS Roosevelt» الموجودة في بحر الصين الجنوبي، لتصدر بعدها بيانات من ماليزيا التي أكدت أن وزير دفاعها، هشام الدين حسين، سوف يرافق نظيره الأمريكي في هذه الرحلة.
وبعد وصوله إلى حاملة الطائرات الأمريكية المرابطة في البحر يوم الخميس 6/11/2015، قال كارتر أن هناك «قلقاً كبيراً من سلوك الصين هنا»، واصفاً وجوده على متن حاملة الطائرات بأنه «إشارة إلى الدور الأساسي الذي تلعبه القوة العسكرية الأمريكية في هذه المنطقة المهمة للمستقبل الأمريكي»، في حين أكدت الأنباء أن الطائرات الصينية كانت تحلق في الأجواء فوقه..!
أمريكا جاهزة للحرب؟!
في تصريح لرئيس أركان القوات البرية الأمريكية، الجنرال مارك ميللي، أكد أن «الصين دولة متطورة، وكانت وتيرة نموها الاقتصادي تصل إلى نحو 10% سنوياً خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة»، وأشار إلى أن «مثل هذا النمو الاقتصادي غالباً ما يؤدي إلى تعزيز القوات العسكرية». وفي كلمة ألقاها في المؤتمر الخاص بقضايا الأمن، الذي انعقد في يوم الاثنين 2/11/2015 أكد ميللي أن «الصين ليست عدواً»، واستبعد حتمية نشوب صراع مع الصين.
تدل التصريحات الدبلوماسية الأمريكية المتناقضة فيما بينها، أو مع السلوك الأمريكي الفعلي، على مستوى التخبط الذي وصلت إليه واشنطن، فإن كانت لا تخفى المحاولات المستميتة لجر دول شرق آسيا نحو صدامات ونزاعات فيما بينها، والتوتر الذي ستحمله هذه النزاعات إلى فضاء الصين الجيوسياسي- كما بدا جلياً في خطوة الفلبين «المنفردة» بالتوجه لمحكمة لاهاي، أو مشاركة وزير الدفاع الماليزي نظيره الأمريكي بالخطوة الاستفزازية في بحر الصين الجنوبي- إلا أنه في المقابل لا يمكن إغفال عدم صدور البيان الختامي لـ«ASEAN»، الذي يعكس وزن الصين المتنامي في المنطقة من جهة، وعدم جاهزية دول المنطقة للانجرار وراء الولايات المتحدة الأمريكية، وتوتير علاقاتهم مع القوة الاقتصادية العظمى في العالم.