القطب المأزوم يصعّد في بحر الصين الجنوبي
علاء أبوفراج علاء أبوفراج

القطب المأزوم يصعّد في بحر الصين الجنوبي

يتجه «القطب المأزوم» للتصعيد في شرق آسيا، حيث ازدادت الأجواء توتراً في بحر الصين الجنوبي خلال الأسبوع الماضي، بعدما اخترقت السفينة الحربية الأمريكية «USS Lassen» المياه الإقليمية الصينية في 27/10/2015، رغم التحذيرات الصينية التي طالبت الولايات المتحدة، على لسان وزير خارجيتها، وانغ يي، أن «تفكر ملياً قبل اتخاذ هذه الخطوة».

التهديد الأمريكي للمياه الإقليمية الصينية في محيط جزر سبارتلي، يأتي في ظل انسداد الأفق المتصاعد في وجه المحاولات الأمريكية لإدامة أمد الصراع في منطقة شرق المتوسط، ما يدفعها بحسب الكثير من المحللين، وبحسب بعض مستشاري الأمن القومي الأمريكي، لنقل مركز ثقل الحرائق نحو الشرق الأقصى.

ازدحام التصريحات

مارست بكين أعلى درجات ضبط النفس، رغم إعلان الولايات المتحدة عزمها إرسال سفينتها الحربية للإبحار بالقرب من المياه الإقليمية الصينية، فردت على هذه التصريحات، على لسان الناطق الرسمي باسم السفارة الصينية في واشنطن، تشو هايتسوان، قائلاً: «حرية الملاحة والطيران لا ينبغي أن تستخدم كذريعة لعرض العضلات وتقويض سيادة وأمن الدول الأخرى، وعليها (أي الولايات المتحدة) أن تمتنع عن الأقوال والأعمال الاستفزازية، وأن تتصرف بمسؤولية في الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة».

بعد ذلك، شدد وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، على دعوة الولايات المتحدة الأمريكية «إلى عدم التصرف على نحو طائش، وعدم إثارة المشكلات من لا شيء»، لكن كل التحذيرات التي صدرت عن مختلف المستويات الدبلوماسية الصينية لم ترد البنتاغون عن القيام بهذا الفعل المتهور.

وفيما بدا أنه محاولة للتصعيد من طرف واشنطن، قال وزير الخارجية الأمريكية، جون كيري، إن بلاده «لا تحتاج إلى التشاور مع أي دولة عندما تمارس حق حرية الملاحة في المياه الدولية»، ليتبعه تصريح وزير الدفاع الأمريكي، آشتون كارتر، أقر فيه باختراق بلاده للمياه الإقليمية الصينية، بما يتناقض مع «حرية الملاحة في المياه الدولية»، متبجحاً بأن العمليات الأمريكية في بحر الصين الجنوبي ستستمر، رغم تحفظات بكين، حيث قال: «البحرية الأمريكية دخلت ضمن الأميال البحرية الـ12 التابعة لجزر اصطناعية صينية». 

القطب الصاعد يرد

ما إن اخترقت السفينة الأمريكية المياه الإقليمية دون موافقة السلطات الصينية، حتى قامت قوات البحرية الصينية بتحذير السفينة الحربية «USS Lassen» وملاحقتها، وإجبارها على التراجع، لتؤكد الخارجية الصينية في بيان لها تلى ذلك أن «الصين تحث الجانب الأمريكي بقوة على تصحيح خطئه فوراً، وألا يتخذ أي إجراءات خطيرة أو استفزازية تهدد سيادة الصين ومصالحها الأمنية».

في موازاة ذلك، تناقلت وكالات الأنباء العالمية خبراً مفاده أن طائرتين روسيتين من طراز «Tupolev Tu-142» اقتربتا من حاملة الطائرات الأميركية «رونالد ريغان»، وأن الأخيرة- التي كانت موجودة في منطقة بحر اليابان- أمرت أربع مقاتلات من طراز «F18» باعتراض الطائرات الروسية. وأكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الأمريكية، جون كيربي ، صحة هذه الأنباء، لتنتهي الجولة الأولى من التصعيد باستدعاء الصين السفير الأمريكي في بكين، ماكس باوكوس، وقدمت له احتجاجاً شديد اللهجة.

وفي هذا السياق، دفع التطور الخطير للأحداث الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إلى دعوة الدولتين «لضبط النفس، وحل الخلافات بالطرق السلمية، عبر القانون الدولي»، فيما لا تزال التصريحات الأمريكية تؤكد استمرار عمليتها في المنطقة، رغم مواصلة الدبلوماسية الأمريكية تأكيدها على «أهمية العلاقات الثنائية بين البلدين، وضرورة تطويرها».

النفخ في الجمر

المطلوب أمريكياً هو خلق بؤر توتر جديدة، ودعم كل ما يزعزع الاستقرار الإقليمي في شرق آسيا، حيث تطويق روسيا والصين- خصوم الولايات المتحدة الأمريكية- وافتعال النزاعات والنفخ في الجمر في قضية «الجزر المتنازع عليها» في بحر الصين الجنوبي، يهدف إلى خلق فضاء توتر جديد بعد تراجع الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، وانكفائه عن هذه المنطقة تبعاً لتغيرات الأوزان الدولية، بما يعنيه ذلك أن القطب الصاعد، روسيا والصين خصوصاً، ينجح اليوم بكبح الولايات المتحدة الأمريكية، بوصفها منظومة الحماية وخط الدفاع الأول عن رأس المال المالي الإجرامي، الذي بات بأدواته الفاشية يشكل خطراً على البشرية جمعاء بجرها لحروب لا يخرج منها منتصرون..!

مع عجزها اليوم عن فتح بؤر توتر جديدة دائمة، تكون الإمبريالية قد وصلت إلى طريق مسدود، خصوصاً بعد صعوبة اندلاع حروب عالمية على غرار النمط التقليدي السابق، وانسداد سبل توسع الرأسمالية بعد استنفاذها للعالم بالمعنى الجغرافي، فيكون كبح الإمبريالية المتهاوية، والتحكم قدر الإمكان بنتائج سقوطها، خطوة على طريق تحقيق «السقوط بالمكان»، بما يضمن «انهياراً محسوباً» للهيمنة الإمبريالية، وبالتالي الحفاظ على البشرية من سيناريوهات كارثية محتملة.