الأزمات الخمس..النظام السعودي يواجه خطر الانهيار
مع انسداد الأفق في وجه الحكم السعودي، والخليجي عموماً، وتحول حسابات «النصر» في ملفات المنطقة إلى أوهام، تبدو النتيجة الواضحة ماثلة في حالة الاستنزاف الدموي لدول الخليج، إن لم تعبر هذه الدول عتبة المتغيرات الدولية والإقليمية بأمان.
على الأرجح، فإن النتيجة المأساوية للتدخلات الخليجية كانت حاضرة في حسابات المتدخلين مسبقاً، وفي حسابات الحكم السعودي بشكل أساسي، إلا أن الخيارات الماثلة أمام هذه الدول كانت ضيقة إلى حد قبول منطق المقامرة في معارك غير محسومة النتائج مسبقاً، وذلك تماشياً مع الضرورات الأمريكية التي فعلت فعلها في المنطقة، على قاعدة الزج بالجميع، حلفاء وأعداء، في الحرائق المشتعلة.
الحلفاء يدفعون الثمن
بعد مقتل العشرات من جنود التحالف الخليجي في اليمن، لاسيما السعوديون والإماراتيون، والتي لم تكن آخر خسائرهم عملية قصف مقر إقامة رئيس الحكومة اليمنية، خالد البحاح، حيث قتل فيها ما لا يقل عن 15 جندياً غير يمني، ارتفعت الأصوات في داخل الدول المشاركة في تحالف «عاصفة الحزم» لوقف عملية التوريط التي تتعرض لها هذه الدول، فكانت البداية مع انسحاب باكستان من التحالف إثر الخلافات داخل برلمانها، ثم الأنباء عن موجة قلق إماراتية ناتجة عن الحجم الكبير في الخسائر، وسط أنباء، بين التأكيد والنفي، حول سحب الجنود الإماراتيين من الأراضي اليمنية. كما أن السعودية نفسها لا تخرج عن سياق الاستشعار بخطر استمرار الاستنزاف العسكري، ومراجعة الخيارات المتاحة لتخفيف حدة الخسائر التي بدأ السعوديون بإحصائها اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وبما يؤثر جدياً على الدور السعودي داخلياً وإقليمياً.
وفي دلالات الأرقام، توقع صندوق النقد الدولي في تقرير نشره في حزيران 2015، عن الوضع المالي في السعودية، أن نسبة العجز في الموازنة السعودية ستفوق 20% من ناتجها المحلي الإجمالي, لتتجاوز قيمة العجز 130 مليار دولار. فإلى متى يستطيع الخليج تحمل نتائج تبعيته للولايات المتحدة التي تشهد تراجعاُ عالمياً مطرداً على مستوى التأثير والنفوذ؟
الحكم التابع: سلسلة التورطات
من بين دول الخليج، تبدو السعودية الأكثر تورطاً في ملفات جاهزة للانفجار في أي وقت بوجه الحكم السعودي المتخلخل حتى الآن. والتي يمكن إجمالها في خمسة ملفات أساسية: الأزمة السورية، والتدخل في اليمن، والملف النووي الإيراني، و«تدافع» منى، وأخيراً أسعار النفط.
ففي الأزمة السورية، تتخبط السعودية إثر السقوط المدوي لأوهامها السابقة بإمكان فرض معادلاتها السياسية اعتماداً على التدخل والدعم العسكري لبعض الفصائل المسلحة، تلك الأوهام التي سقطت بالتوازي مع دفع المسار السياسي لحل الأزمة السورية، وبدء المساعي الجدية لمكافحة التنظيمات الإرهابية في سورية، بما يدفع الحل خطوات إلى الأمام، ويشرك المسلحين السوريين غير المرتبطين بمشاريع خارجية في مسار الحل السياسي، وهو ما كانت تعول السعودية سابقاً على تأجيله إلى أقصى مدة ممكنة.
في موازاة ذلك، قاد السعوديون تدخلاً عسكرياً سرعان ما أثبت مراوحته في المكان، إثر المتغيرات الدولية والإقليمية التي لا تسمح بحسم الملف اليمني عسكرياً، وهذا ما تجلى بحجم الخسائر الكبير جداً بالنسبة للسعوديين ودول الخليج عموماً، فيما فشل التحالف حتى الآن بتحقيق أهدافه المعلنة بالقضاء على جماعة «أنصار الله» وإعادة الرئيس هادي إلى رأس السلطة.
ولدى الحديث عن المتغيرات الدولية والإقليمية، يبرز الحديث عن الاتفاق النووي الإيراني، كواحد من المؤشرات التي تؤكد التبدلات الحاصلة في الأوزان، ما أفضى إلى حلول لملفات طالما جرت سابقاً عملية تأجيلها وتسويفها. ومع الاتفاق النووي الإيراني، تبدو السعودية محكومة بارتفاع الوزن الإيراني، مع ما يشكله ذلك من منافسة، ضمن المنظور السعودي، قد لا يقوى السعوديون على خوضها بالنظر إلى القدرات الاقتصادية الإيرانية الكبيرة.
وظهرت قضية «تدافع الحجاج» في منى، وما حملته من روايات عديدة، ومن تصعيد إيراني- سعودي حول الحادث وأبعاده السياسية، ليؤكد أن حالة التصعيد بين الدولتين مرشح لما هو أسوأ، لا سيما بعد تهديد قائد بحرية الحرس الثوري الإيراني، الأدميرال علي فدوي، في ردٍ على «استغلال السعوديين لسياسة إيران بضبط النفس»، بأنه «إذا بلغت الخباثة حداً في ألا تكون سياسة ضبط النفس تكليفاً إلهياً، فإن الواجب يقتضي تأديب من لا يمتلكون فهماً لحساب مصالحهم بصورة صحيحة»، حسب وكالة «تسنيم» الإيرانية. وتأتي احتمالات التصعيد الإيراني السعودي، في ظل روايات تتحدث عن أعداد من ضحايا منى، تعرضوا «لغاز قاتل، تسبب بوفاة كل من كان قريباً من مصدر انبعاثه، فيما أصيب الموجودون في المناطق الأبعد بتسمم في خلايا المخ، وفقدان الذاكرة أو الهلوسة»، حسب عبد الحميد فوزي، المستشار السابق لوزير الصحة والإسكان المصري. كذلك يأتي التصعيد الإيراني عبر الدفع باتجاه سحب تنظيم الحج من يد النظام السعودي، ليشكل تهديداً جدياً لأحد أهم الأعصاب التي يقوم عليها هذا النظام.
وأخيراً، تكبد السعوديون، ومعهم دول الخليج، خسائر مرتفعة جداً من جراء حرب أسعار النفط التي قادتها الولايات المتحدة لتقويض اقتصادات الدول الرافضة لهيمنتها في العالم، لينعكس ذلك بتراجعات كارثية على الخليج، لتضطر السعودية، على سبيل المثال، إلى سحب مبالغ تراوحت بين 50 و70 مليار دولار من استثماراتها الخارجية خلال الأشهر الستة الماضية، لتسد العجز في ميزانيتها، حسب ما ذكرت وكالة «بلومبرغ» الأمريكية.
بوابة الخروج العالمية
في مقابل قائمة الخسارات الخليجية الناتجة عن التبعية للمشروع الأمريكي، فإن انفتاحاً خليجياً على الدول الصاعدة عالمياً، أي روسيا وحلفائها، من شأنه أن يؤمن لها مخرجاً جدياً من الأزمات الواقعة فيها، هذا عدا عن حجم الفائدة الاقتصادية التي قد تحققها هذه الدول على الصعيد الاقتصادي، جراء التكامل مع مشاريع القطب الصاعد عالمياً، كمشروعي طريق الحرير الجديد والاتحاد الأوراسي.