تراجع العسكرة: ليبيا تخوض معركة الحل السياسي

تراجع العسكرة: ليبيا تخوض معركة الحل السياسي

ما يقارب تسعة أشهر مرَّت على انطلاق مساعي الحل السياسي للأزمة الليبية، تعددت خلالها المبادرات الهادفة إلى إنهاء الصراع المسلَّح، بقدر ما تصاعدت وتائر التدخل الخارجي التي أعاقت- بفضل حجم التناقضات الموجودة في الساحة الليبية- الوصول إلى اتفاقٍ ناجز.

رغم غياب ممثلي «المؤتمر الوطني» المختلفين داخلياً عن توقيع اتفاق «السلم والمصالحة»، المقترح دولياً في 11 تموز من هذا العام، إلا أن ذلك لم يمنع المبعوث الدولي إلى ليبيا، برناردينو ليون، من الإعلان في 22 أيلول، أن محتوى الاتفاق السياسي الليبي، الذي أقر في وقتٍ لاحق، هو نهائي، ليعرب عن «أمله» في التوقيع عليه «خلال الأسابيع القادمة». لكن ما بدا لافتاً هذه المرة هو أن عرقلة أخرى أتت من حكومة طبرق، التي أعلنت نيتها مقاطعة جلسات الحوار، بعد تعديلاتٍ «مست مسودة الاتفاق السياسي».


«صيغة اتفاق ملتبسة»

طرح ليون تعديلات على مسودة الاتفاق المعلنة، تعديلات وضعها كثيرون في سياق «محاباة ليون لجزء من نواب برلمان طرابلس المنتهية ولايته»، وفي إطار العمل الأوروبي الكثيف لإبعاد عدد من الشخصيات عن الساحة السياسية والعملية المقبلة، إذ يدور الكلام في هذا الصدد عن قائد قوات حكومة طبرق، اللواء خليفة حفتر.
في موازاة ذلك، أثار تضمين أسماء 135 شخصية محسوبة على «الإسلام السياسي» في المجلس الأعلى للدولة حفيظة حكومة طبرق، التي هددت بمقاطعة جلسات الحوار فيما لو أصر الأوروبيون على هذه التعديلات. وبالتزامن مع هذا الحراك السياسي، وربما كنتيجة للتعديلات الجديدة، قام حفتر بإطلاق عملية «حتف» العسكرية في مدينة بنغازي، ما استدعى استنكاراً رسمياً من الأمم المتحدة، حيث أوضحت البعثة الدولية، عبر موقعها الإلكتروني، أن توقيت الضربات الجوية يهدف، بشكل واضح، إلى تقويض الجهود المستمرة لإنهاء الصراع، في الوقت الذي وصلت فيه المفاوضات إلى مرحلة نهائية وحرجة.


حدود الافتراق والتقارب الأمريكي- الأوروبي

رغم «سلب» ليبيا، بتدخلٍ عسكري أمريكي- أطلسي مباشر، دون الرجوع إلى مجلس الأمن الدولي، ورغم المحاولات الحثيثة لتكييف مستقبل البلاد مع مصالح الدول المشاركة في هذا التدخل، إلا أن مرحلة تظهير موازين القوى الدولية، التي نعيشها اليوم، قد انعكست على الواقع الليبي باستعصاءٍ جدي أمام الحلول العسكرية، وفي وجه المحاولات السابقة لفرض الأجندات عبر التلويح بعصا العسكرة. في المقابل، ينفتح الطريق أمام صراعٍ سياسي لم يتخل فيه الغرب عن أجندته، مما يضع البلاد أمام مسار سياسي طويل، قبل أن يصل إلى نهاياته المنطقية، وفقاً للتوازنات الجديدة.
أمام هذا الواقع، يبرز الملف الليبي، كواحد من نقاط الافتراق الأمريكي الأوروبي. ففي هذا البلد، تختلف واشنطن مع الأوروبيين في سياق مشروعها الهادف إلى تحويل ليبيا لمنطلقٍ للفاشية الجديدة، نظراً لحجم الأضرار التي قد يتعرض لها الأوروبيون من سيناريو كهذا. ومن هنا، تبدو أوروبا «أكثر نشاطاً» في تيسير لملمة الفوضى التي شاركت في صنعها.
وفي الوقت نفسه، لا يختلف الطرفان كثيراً على العمل من أجل التأثير بمخرجات المفاوضات السياسية، بما يتنافى مع المصلحة العميقة للشعب الليبي التي تتناقض مع مشاريع المحاصصة وزيادة الانقسامات العمودية على أسسٍ وهمية، لا سيما بعد انتشار المخاوف من «خطة أوروبية» تدعم تمثيلاً وازناً لما يعرف بـ«الإسلام السياسي» في أي حكومة «توافقية» مقبلة، وهو ما يثير تناقضاً  جديداً بين الأوروبيين، ودول الجوار (مصر والجزائر) الرافضتين لهذه الخطوة.