«أبينوميكس» والعسكرة اليابانية: هذه تركة واشنطن..!

«أبينوميكس» والعسكرة اليابانية: هذه تركة واشنطن..!

مع نجاح الائتلاف الحاكم في اليابان بتمرير المشروع الذي يسمح لقوات بلاده مجدداً بالقتال خارج أراضي اليابان، تندلع اليوم موجة شعبية واسعة ترفض «التزلف» الذي يقوم به هذا الائتلاف للولايات المتحدة، في وقتٍ لا تبشر فيه الأرقام والاحصاءات الاقتصادية اليابانية بخير.

تحققت المخاوف من ارتفاع النزعة العسكرية اليابانية، إذ تدخل اليابان، رابع أكبر اقتصاد عالمي، و«المركز الإمبريالي الثالث» في العالم، في صميم الجهد الأمريكي الهادف إلى التوتير في شرق آسيا.


«أبينوميكس»: إرث ثقيل

يتواصل التراجع الياباني على الصعيد الاقتصادي الاجتماعي، كنتيجة لتطبيق الخطة الليبرالية الأمريكية «أبينوميكس» المناهضة للمصالح الاجتماعية، وهي خطة فرضتها الولايات المتحدة على اليابان في ثمانينات القرن الماضي، لتبدأ آثارها السلبية بالظهور منذ 1998.
وكنتيجة مباشرة لخطة التبعية هذه، بما تحمله من أزمات وركود، وصلت البطالة اليابانية إلى أرقام قياسية، مسجلة 5.7%، حسب «BBC»، فيما ارتفع عدد المعطلين عن العمل في عام 2009 إلى 3 مليون و590 ألف شخص تقريباً.
في موازاة ذلك، تشير الإحصائيات إلى وجود ما لا يقل عن 38% من اليد العاملة اليابانية التي تشتغل بصورة مؤقتة أو موسمية، في ظل تفاقم ظاهرة التسريح التعسفي المستمر، لا سيما في قطاعي الزراعة والأعمال الريفية.
في سياقٍ متصل، سجلت الأجور هبوطاً حاداً للشهر الخامس والعشرين على التوالي، بمعدلٍ وسطي بلغت نسبته 2.9% منذ عام 2009، بسبب ارتفاع معدل التضخم وزيادة ضريبة المبيعات من 5% إلى 8% في عام 2014، وإلى 10% في عام 2015، وهو ما يعد أعلى تراجع منذ عام 1990، فيما سجلت اليابان عجزاً في الميزان التجاري للشهر السادس والعشرين على التوالي، بسبب سياسات التقشف التي تتبناها حكومة شينزو آبي، والبنك المركزي الياباني.
كما وتراجعت مستويات المعيشة بنسبة 10%، ويمثل الاقتصاد الاستهلاكي 60% من إجمالي الناتج المحلي، وتراجعت نسبة صادرات السيارات 30% عن العام السابق، كما بلغت نسبة الديون السيادية اليابانية 20% من الدين العالمي العام، و245% من الناتج المحلي، ما يوازي أكثر من 1 كوادريليون ين «11 تريليون دولار»، في ظل تأكيد حكومة آبي على مواصلة خطة «أبينوميكس» التقشفية، و«الإصلاحات الهيكلية» الليبرالية التي فرضها الرئيس الأمريكي، رونالد ريغان، في ثمانينات القرن الماضي.


أوكيناوا تلفظ الحزب الحاكم

منذ عام 1995، تتواصل الاحتجاجات اليابانية ضد وجود القواعد العسكرية الأمريكية في جزيرة أوكيناوا، حيث يوجد في اليابان أكثر من 47 ألف جندي أمريكي، نصفهم في قاعدة «أوكيناوا» الجوية. وفيما تحتل الولايات المتحدة 18% من جزيرة أوكيناوا، يحتج السكان على الوجود الأمريكي، بما يخلفه من تلوث واعتداءات ونزاعات متكررة مع السكان المحليين.
وفي الجانب الاجتماعي من القضية، فقد كشفت إحصاءات الشرطة اليابانية عن أكثر من 6000 جريمة اعتداء واغتصاب بحق الفتيات والنساء منذ عام 1972، على يد جنود أمريكيين من قاعدة «أوكيناوا»، كما نقلت وكالة «إنتر بريس».
في الانتخابات البرلمانية التي جرت في تشرين الثاني 2014، جاء في برنامج الحزب الحاكم فقرة تطالب بالإبقاء على الوجود العسكري الأمريكي في أوكيناوا، وذلك ما عزَّز تصويت سكان الجزيرة لصالح الشيوعيين الذين يطالبون برحيل الجنود الأمريكيين، وخسر الحزب الحاكم مقاعده المباشرة الأربعة عن جزيرة أوكيناوا، ليفوز المرشحون الشيوعيون فيها لأول مرة منذ 1996.


التعاونيات: تمرد الريف

يعتبر الريف الياباني والزراعة اليابانية- التي تعتمد بشكل أساسي على الأرز- الأكثر تضرراً من خطة «أبينوميكس» الأمريكية التي تقوم على أساس حماية الاستثمارات الصغيرة، ما يؤدي إلى فقدان عشرات الآلاف لأعمالهم سنوياً وانضمامهم إلى المعطلين عن العمل.
يذكر أن جذور الحركة التعاونية الزراعية في اليابان تعود إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تسمح القوانين اليابانية بهذا النوع من النشاط الاقتصادي، الذي سرعان ما تصاعد بعد عام 1998، ليغطي معظم الريف (708 تعاونية زراعية إقليمية كبيرة، تضم نصف مليون مزارع صغير)، بالإضافة إلى انتشار تعاونيات متوسطة وصغيرة، فيما تحاول الحكومة جاهدة إجراء «إصلاحات» في النقابات الزراعية، ضمن إطار خطة التحرير النهائي للاقتصاد، لكنها تصطدم بمصالح مئات الآلاف من المزارعين الذين يواصلون الاتحاد في التعاونيات حماية لمصالحهم، بما يمثل نوعاً من أنواع التمرد الريفي على السياسات التقشفية الليبرالية.


«العسكرة الفاشية» وحركة الناس

في أول خطوة منذ 70 عاماً، وافق البرلمان الياباني على السماح للجيش بالانخراط في مهام هجومية خارج البلاد، ما يمثل اتجاهاً يابانياً نحو العسكرة وزيادة نفقات التسلح، استعداداً لخوض الحروب ونقل الصراع إلى جنوب شرق آسيا، وبالتحديد في وجه الصعود الصيني، كطلبية أمريكية. فقد أصبح ترتيب الصين الاقتصادي يتراوح بين أول وثاني أكبر اقتصاد عالمي، مقابل تراجع اليابان منذ العام الماضي، فيما يأتي هذا التوجه بعد أزمة الجزر الصناعية في بحر الصين الجنوبي الضالعة فيها الولايات المتحدة بشكلٍ ملحوظ.
في السادس من أيلول، انطلقت أول مظاهرة في اليابان ضد قرار مشاركة اليابان في الحروب الخارجية، في ظل توقعات محلية بانطلاق حركة احتجاجات واسعة ضد العسكرة وضد الولايات المتحدة والسياسات الاقتصادية في البلاد في الفترة المقبلة. يذكر أن الحزب الشيوعي الياباني كان قد ردَّ على القرار بدعوة اليابانيين للنزول إلى الشارع للاحتجاج والوقوف ضد «سياسة العسكرة الفاشية التي تحضر لها الحكومة».