نحاس لـ«قاسيون» موضوع النفايات «شرارة».. والمسألة ليست مجرد تفاؤل

نحاس لـ«قاسيون» موضوع النفايات «شرارة».. والمسألة ليست مجرد تفاؤل

حول واقع الحراك اللبناني وآفاقه، وارتباطه بغيره من الهبَّات الشعبية دولياً وإقليمياً، و«الحلول» التي تحاول قوى النهب في لبنان أن تمررها، توجهت «قاسيون» إلى وزير العمل اللبناني السابق، د.شربل نحاس، بالحوار التالي:

حاوره: أحمد الرز- بيروت

في حديثٍ سابق، تحدثت عن تغير في موازين القوى، كيف ترى هذا التغير دولياً، وإقليمياً، وداخلياً في لبنان؟

لدينا هنا في لبنان مجموعة من المتسلطين على البلد منذ أربعين عاماً. وفي مقابل فشلهم الذريع في الحكم، تحركت الناس لأول مرة دون الانخراط في كتلٍ طائفية. بدأ ذلك يعطي اليوم نتائج واضحة، سواءً بالمعنى الرمزي أو بالمضمون، من خلال حالة الإرباك والتخبط التي تبديها السلطة: يبنون جداراً ثم يزيلونه في اليوم التالي، يختبئون خلف حصنٍ منيع، رغم ادعائهم أنهم يمثلون الناس.. إلا أن الواضح أنهم خائفون منهم. وتطول اللائحة.

في المقابل، فإن التعديل في ميزان القوى لبنانياً حتى الآن ليس كافياً بعد، إنما تجب الاستمرارية والضغط السلمي المنهجي، بما يسمح بإعادة بناء دولة لها شرعية، دولة مدنية ديمقراطية، تأخذ في الحسبان اعتبارات العدالة الاجتماعية لمصلحة الناس.

نرى تصاعداً للحراك الشعبي في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، وفي منطقتنا حيث يتزامن الحراكان الشعبيان في العراق ولبنان، هل ترى ذلك في سياق انتفاضة على رأس المال؟

بل ما هو أسوأ في منطقتنا، وللمفارقة، أننا لم نصل حتى الآن إلى هذه اللحظة. أعتقد أنه ليس لدينا رأسماليين، فالآلية المتبعة لدينا هي أشبه بمنطق السبي: هذا السياسي الذي ينتمي إلى طبقة سياسية معينة، يسبي بضعة مليارات من هنا وهناك، ويستخدمها لشراء الولاءات وتأطير الناس والتمتع بالاستهلاك. ما أقصده هو أنه حتى الآلية الأساسية الخاصة برأس المال، وهي التركز والاستغلال والإنتاج، بالكاد وصلنا إليها نحن.

لنفترض أنه جرى حل موضوع النفايات، هل هذا الكلام يعني أن الحالة الشعبية التي تكونت ستنتهي برأيك؟

بالطبع لا (..) هنا، أعود لأكرر الكلام ذاته: هذه إشارات على بدء تعديل ميزان القوى. حيث أن الناس لم تنزل إلى الشارع من أجل موضوع النفايات فقط، بل نزلت من أجل المشاكل كلها التي ما زالوا يعانون منها، دون القدرة على فرض حلول لها منذ عقود. فهم اليوم محرومون فيما يخص الانتخابات، والحركة النقابية يجري التضييق عليها، ومسكها من جماعاتٍ مأجورة، والتعليم، والتغطية الصحية، والعدل والقضاء، والجيش، جميعها مسائل دفعت الناس للنزول إلى الشارع.. مشكلة النفايات كان لها فضل لأنها كانت وقحة لدرجة أنها شكلت الشرارة، لكن الأزمة ليست محصورة بهذا الملف.

يمر الطريق اليوم بانتخاباتٍ نيابية تعيد الشرعية للركن الأساسي في قاعدة النظام الدستوري، والذي هو مجلس النواب. وينبغي على هذه الانتخابات ألا تكون مسرحية، تعيد أقطاب السلطة ذاتهم إلى الحكم، وألا تكون مسرحية لتثبيت القول بأن هذا البلد لا يوجد فيه مواطنون، بل قطعان من الطوائف. 

إن أهم ما أنجز اليوم هو الالتقاء مع ناس كان من الصعب أن يتجمعوا في السابق. ولي الشرف أن أكون موجوداً مع كل هؤلاء الناس من شبان ومسنين وكبار ونساء ورجال. وآمل أن نتوسع ونستطيع أن نستقطب المواطنين أكثر فأكثر. هذه هي المرحلة التي نمر فيها، وهذا ما يستدعي مسؤوليات أتمنى من الجميع أن يكونوا مدركين لها ويتحملونها.

من هي القوى التي تقف في وجه الحراك الشعبي؟ وماذا عن القوى السياسية المشاركة في السلطة والتي ترفع في برامجها الانتخابية مشاريع إصلاحية؟

في الشق الأول من السؤال، هي الجماعات نفسها التي تكونت من الميليشيات والأموال النفطية، واليوم تضع يدها على البلد. وفي الشق الثاني أقول: فليخبرونا بالأفعال، وسنكون سعيدين جداً..!

هل ترى درجة التنظيم الموجودة اليوم في الحراك كافية لضمان استمراريته وإنجاز التغيير المطلوب؟ وحالة الاختلاف الموجودة بين الحملات المشاركة فيه هل هي إيجابية؟

خلال أسبوعين أو ثلاثة، انتقلنا من تحركات مبعثرة إلى تحديد تحركات مركزية منظمة لها بيانات مكتوبة تثبت الشعارات والمطالب، وتواكب الحدث، وإلى إقامة لجان إعلامية وحقوقية متخصصة في المناطق. والأكيد أن هذا ليس كافياً، لكن الطريق الذي جرى سلكه خلال ثلاثة أسابيع يجب أن نقيمه إيجابياً.

أما الاختلاف بين الحملات، فإيجابيته تكمن أولاً في أنه يبين بوضوح أن هذا التحرك ليس مفبركاً. وهذا لا ينفي حقيقة أن التحرك يحتاج إلى جهد أكثر، وضرورة أن يتحمل كل طرف المسؤولية في داخل هذا الحراك. فنحن عندما ننجح في إشراك طلاب المدارس وموظفي الإدارات وغيرهم لن يكون هذا الحراك مفبركاً، كما يفعل الغير.

ما هي مآلات حالة الاستقطاب التي تجري اليوم بعيداً عن 14 و8 آذار، وهل هناك تفاؤل بأنها قادرة على إنهاء نظام التحاصص؟

المسألة برأيي ليست مسألة تفاؤل، بل سعي. إننا نسعى اليوم. وكل الناس المشاركين في هذا التحرك لم يضعوا أنفسهم في موقع المتفرج. نحن اليوم في مواجهة، وكثير من الناس معنا لننجح في هذه المواجهة. وهذا لا يعني إطلاقاً أننا مستخفين بالطرف المقابل.

وفي المسائل الأساسية، لم نر 14 و8 آذار مختلفين بالشيء الكثير. وبالتالي، ما يحصل اليوم هو تعديل في جدول الأعمال، هذا الجدول الذي لم يعد يحوي 14 و8 آذار فقط.

هذا التحرك الموجود اليوم، هل هو نهائي؟ أم أنه جولة من جولات عدة سنراها لاحقاً؟

حتى الآن لا ندري، فالمسار الحالي متوقف على أكثر من مسألة، حيث العديد من الأضرار قد تؤثر بهذا المسار الشعبي والسياسي والمطلبي. وبما أنه لا يوجد من «يبرمج» هذا الحراك ويتحكم به، فالأمر متوقف اليوم على الطريقة التي ستتطور من خلالها هذه المواجهة، ووفقاً للكيفية التي ستتصرف على أساسها الأطراف كلها، في أي موقعٍ كانت، سواء مع الحراك، أو في مواجهته، أو مربكة ما بين بين.

كل طرف عليه أن يتحمل مسؤوليته، إذ يجب على هذه المرحلة الانتقالية أن تدار في أقصر وقت، وبأقل الأثمان والجهد. على الجميع أن يكون يقظاً، لأن الكثيرين من أصحاب النوايا غير الحسنة من المحتمل أن يتدخلوا.