مناورات واشنطن على خط السعودية- اليمن
ابتداءً من منتصف ليل العاشر من هذا الشهر، حدَّد الأمين العام للأمم المتحدة هدنة غير مشروطة في اليمن، جرى خرقها في ساعاتها الأولى، لتشهد الأراضي اليمنية عمليات قصف عنيفة، من دون أن يستطيع أي طرف إعلان تبنيه للخرق.
عملياً، انعكس صعود قطب «بريكس» في العالم بضوابط فُرضت على الولايات المتحدة وحلفائها وأدواتها، ومنعتها من إنجاز عمليات التدخل العسكري المباشر التي كانت تعمل واشنطن تقليدياً في السابق.
الخروج الآمن..
تبدو الولايات المتحدة بحاجة إلى أذرع فاشية تحارب عنها بالوكالة، لتحقق أهدافها بشكلٍ غير مباشر، وإذا كانت «داعش» تعمل في العراق وسورية وليبيا، وحديثاً في مصر، بشكلٍ معلن، فإن السعودية التي أخذت على عاتقها سابقاً تأجيج الصراع اليمني، والعمل على إبعاد الحل السياسي، إلا على قاعدة «المبادرة الخليجية- الأمريكية»، قد دفعت فاتورة باهظة الثمن جراء تلك السياسات، مما حدا بالولايات المتحدة، المتراجعة والمنسحبة من منطقتنا تدريجياً، إلى الاشتغال على أمرين أساسيين فيما يخص الملف اليمني:
ففي الشق الأول، تعمل واشنطن على تثبيت اليمن كبؤرة توتر، إلى أطول فترة تسمح بها المتغيرات الدولية، ضمن منطق إشعال الحرائق، وإبعاد الحلول السياسية، إلى ذلك الحد الذي يسمح لها تأمين أفضل خروج ممكن من المنطقة.
في الشق الثاني، تجهد الإدارة الأمريكية إلى إحكام السيطرة على السعودية، ضمن منطق العلاقات التقليدية الأمريكية السعودية، حيث أن تراجع الولايات المتحدة يتلازم مع ارتفاع الاستقلالية النسبية للدول المتحالفة معها، لذلك يجري إقحام السعودية في الملف اليمني بشكل مباشر، إضافة إلى توريطها في ملفات سورية والعراق، مما يجعل الولايات المتحدة أكثر تحكماً في القرار السعودي، ويؤمن لها، في الوقت ذاته، إشعال الحرائق من دون أن تدفع هي ثمن ذلك.
وهذا ما يفسر الإشارات الحادة مؤخراً من الولايات المتحدة ضد النظام السعودي، من حيث طبيعة الحكم وسياساته الداخلية، وبمعنى آخر، فالولايات المتحدة تمسك بورقة إحراق السعودية نفسها إن اقتضت مصلحتها ذلك، ولعل التفجير الأخير الذي هز الرياض، يأتي في هذا السياق.
وعليه، فإن استدارة حادة قامت بها المملكة نحو الطرف الروسي هرباً من تداعيات التراجع الأمريكي، من الممكن أن تخفف وطأة التبعات السياسية لحروب المنطقة في المرحلة القادمة.
الخسارة الأمريكية الثابتة
تثبت تطورات الملف اليمني أن السعودية التي بدأت الحرب، بتوجيهات أمريكية، غير قادرة على إيقافها لوحدها، لما لها من تبعات وارتداد على الداخل السعودي، وخوفاً من ردة الفعل الأمريكية، حيث سيتثبت إيقاف الحرب على اليمن، بوصفه خسارة أمريكية جديدة تضاف إلى سلسلة خساراتها في العالم. وهذا ما قد يفسر التخبط السعودي في مسألة مواصلة الحرب.
لكن اليوم، مع حسم الملف النووي الإيراني، تنفتح احتمالات الحلول السياسية في المنطقة بشكل أكبر من قبل، من دون استثناء الأزمة اليمنية، ولربما تكون الولايات المتحدة هي الأقل خسارة بالمعنى المادي مقارنة بخسائر حلفائها، لكن خروج الملف اليمني من السيطرة الأمريكية بحد ذاته، يعتبر انتصاراً لقوى السلم الساعية لحل أزمات المنطقة سياسياً، بقدر ما هو انكسار للمنظومة المتراجعة.
السعودية تؤيد.. ولكن
في سياقٍ متصل، أكد الملك السعودي، سلمان بن عبدالعزيز، خلال اتصالٍ هاتفي أجراه معه الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، فجر الخميس الماضي، أن السعودية تؤيد أي اتفاق يضمن منع إيران من الحصول على السلاح النووي، وأنه على الاتفاق أن يشمل، في الوقت ذاته، آلية تفتيش لكل المواقع النووية الإيرانية.
بدورها، أعلنت مستشارة الأمن القومي الأمريكي، سوزان رايس، أن وزير الدفاع، آشتون كارتر، سيتوجه إلى الكيان الصهيوني، ومن ثم يجري جولته في المنطقة، ابتداءً من السعودية، في إطار ما سمته «جهود البيت الأبيض لطمأنة حلفاء واشنطن بالشرق الأوسط بشأن الاتفاق النووي مع إيران».