واشنطن «تشوي» اليمنيين «على نار هادئة».. والطباخ السعودي على مفترق طرق..!
يتواصل سقوط الضحايا في صفوف المواطنين اليمنيين تباعاً، سواء على جبهات الاقتتال الداخلي، أم على وقع غارات التحالف السعودي الغربي، الذي يستهدف بقايا بنى الدولة اليمينة، بدلائل ليس أقلها وقوعه بأخطاء القتل «بنيران صديقة» مستهدفاً حتى المراكز العسكرية للموالين له..
هذا الاستهداف يأتي تحت ذريعة ولائهم لشرعية الرئيس عبدربه منصور هادي، ومواجهتهم لجماعة أنصار الله المتحالفة مع قوات الجيش اليمني الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح في صراع يبدو أنه سيبقى مفتوحاً على المدى القريب، بانتظار تطورات ومآلات عدد من الملفات الإقليمية (النووي الإيراني- الأزمة السورية)، صراع تمكن من حرف جوهر حراك الشعب اليمني عن تحقيق غاياته في التغيير الجذري والعدالة الاجتماعية، حيث مكمن التخوف الأمريكي/ السعودي/ الإقليمي.
ممانعة أمريكية لوقف الحرب
وسط الانزياحات الإقليمية الناجمة عن التراجع الأمريكي، وضمن تغير لوحة الإحداثيات الدولية، رغبت السعودية بدفع أمريكي في أن تلعب بالوكالة اللعبة الأمريكية ذاتها بالسيطرة في اليمن، في سياق ما تراه صراعاً على النفوذ الإقليمي مع إيران. وعليه، لجأت السعودية إلى تفتيت مراكز القوى اليمنية وتأجيج النزاعات فيما بين القوى السياسية، بهدف محاولة كسب اليمن تحت السيطرة السعودية.
لكن وبُعيد إدراكها أن واشنطن، المتراجعة دولياً، ورطتها في معركة اليمن الخاسرة على كل الصعد، وفي مقدمتها العسكرية بحكم الطبيعة الجغرافية اليمنية المستعصية تاريخياً، سعت الرياض لإيجاد مخارج أخرى وبأقل الخسائر ولكن على أمل تحقيق الغاية ذاتها، حيث أعلنت عن انتهاء عاصفة الحزم، حينما كانت تعول وقتها على بعض القوى في الداخل اليمني، استجلبتها لمؤتمر الرياض لتغيير الوضع على الأرض، وتأمين تنفيذ المبادرة الخليجية التي تضمن لها نفوذاً كبيراً في اليمن. لكن تلك القوى كانت مشلولة ولم تستطع تغيير شيء على الأرض.
وبالمحصلة وبعد أن انقلبت لعبتها عليها، أصبحت الرياض تحت الرحمة الأمريكية لإيقاف الحرب في اليمن، والتي يبدو أن الأمريكيين ﻻ يريدون انتهاءها لأنها تشكل بؤرة توتر مهمة في المحيط الجغرافي السياسي للمنافسين الاستراتيجيين، إقليمياً ودولياً، سواء في طهران أم موسكو أم بكين، وهي تضمن كذلك تورطاً سعودياً مباشراً يُبقي من وجهة نظر العلاقة التقليدية السعودية الأمريكية عصا التحكم بيد واشنطن، بحيث لا يؤثر تراجع المركز الغربي الأمريكي على مستوى سيطرة الثانية على الأولى، ومن ناحية ثانية يضمن للأمريكي إمكانية نقل الحريق عند الضرورة للداخل السعودي والخليجي، بالاستناد إلى نقاط الضعف البنيوية العميقة القائمة في صلب نظم الحكم والظلم والاستبداد هناك.
عند مفترق طرق
عند هذا المفصل بدأت بالظهور أولى معالم التحول السعودي في توسيع دائرة الخيارات السعودية، سياسياً وحتى اقتصادياً، فكان انفتاح الرياض على الدور الإيجابي الروسي في المنطقة والعالم، المدعوم بتوجه روسي أساسي لحل قضايا المنطقة سلمياً. وسبق ذلك جولات من التفاوض اليمني- اليمني برعاية دولية في جنيف كادت أن تصل إلى حلول، غير أن الامتدادات الإقليمية الدولية للصراع اليمني الداخلي أعاقت ذلك، وسط إيهام أمريكي ورعب سعودي من التمدد الإيراني في اليمن، مع اقتراب إتمام عملية التفاوض ورفع العقوبات عن طهران بما يجعل السعودية بين مطرقة الهزيمة التي تعني انحساراً كبيراً في دورها في اليمن وسندان الاستمرار الذي سيؤدي حتماً إلى هزيمة أيضاً.
وبالمثل أيضاً تأتي عصا الإنقاذ الروسية للرياض في طرح موسكو لفكرة التنسيق الإقليمي بخصوص مكافحة الإرهاب في سورية، في وقت كانت تواصل فيه الرياض نشاطها العسكري غير المباشر في دعم المجموعات المسلحة في جنوب سورية وريف دمشق، على أمل لا يبدو مجدياً في تحسين مواقعها التفاوضية في الحلول المرتقبة للأزمة السورية وغيرها من ملفات المنطقة. وعليه يقف الطباخ السعودي لحفلة الشواء الأمريكية في اليمن أمام مفترق طرق، فإما أن يواصل اللعب بهذه النار لتحترق أصابعه، وإما أن يتلقف على نحو جدي الطفايات الروسية، بما فيها ترشيح السعودية للانضمام لمجموعة بريكس!
بين هذا وذاك، وعلى الرغم من الحديث عن موافقة الحكومة اليمنية على هدنة إنسانية مشروطة بإطلاق جماعة أنصار الله لسجناء لديها، يرزخ الشعب اليمني تحت وطأة الحرب والقصف والاقتتال، حيث تجاوز عدد ضحاياه الألفين بسبب القصف السعودي، في حين قالت الأمم المتحدة أنها رفعت مستوى الإنذار في اليمن للحدود القصوى، موضحة أن 23 مليون نسمة بحاجة لمساعدات إنسانية عاجلة خاصة في الوقود والطعام والغذاء. وبموازاة ذلك قال نقيب الصيادلة اليمنيين أن قطاع الدواء يعاني نقصاً رهيباً وأن الحصار الذي يفرضه التحالف على اليمن يودي بحياة المدنيين لا أكثر.