حركة التعاونيات الجديدة والأزمة الرأسمالية

حركة التعاونيات الجديدة والأزمة الرأسمالية

التعاون الإنتاجي ليس ظاهرة جديدة في تاريخ البشرية، فقد بدأ مع نشوء المجتمعات البشرية واتخذ أشكالاً مختلفة، وفقاً للتشكيلات الاقتصادية الاجتماعية التي مر بها.

يتواصل تأسيس وتشكيل تعاونيات اقتصادية مختلفة في العالم منذ عام 2008، حيث كانت الأزمة التي انفجرت آنذاك قد تسببت بانحدار الطبقات الوسطى والفقيرة إلى الأسفل، في ظل فقدانها المزيد من المكاسب والمزايا التي كانت قد اكتسبتها في الماضي، وأصبح المتضررون يبحثون عن بدائل للاقتصاد الرأسمالي الذي تسبب بانحدار مستوى معيشتهم، واتجهوا نحو تأسيس التعاونيات التي انتشرت في اليونان واسبانيا والولايات المتحدة وغيرها من البلدان.


اليونان

ست سنوات من ركود الاقتصاد اليوناني، وأزمة الديون، والبطالة التي وصلت إلى 27.6% وتداعيات كل ذلك دفعت بالمتضررين من الأزمة إلى تأسيس اتحادات اقتصادية تعاونية صغيرة ومتوسطة.
تأسست جمعية تعاونية صناعية في منطقة كاستري من النساء اللواتي فقد أزواجهن وظائفهم بسبب التسريح الجماعي للعمال والموظفين وإفلاس الشركات. وكانت عضوات التعاونية تصنعن الصحون وأطباق المطبخ، وتباع هذه المنتجات في الأسواق اليونانية بسعر يورو واحد، تنفيذاً لطلب النقابات بتخفيض أسعار الإنتاج التعاوني.
عندما سرت أخبار نجاح وصعود هذه التعاونية في الصحافة اليونانية بادرت نساء إحدى مناطق مدينة سيروس إلى تأسيس تعاونية مماثلة، واتحدت التعاونيتان في إطار تعاوني أوسع، وارتفعت أجور عضوات هذه التعاونيات أكثر من أجور القطاع الخاص بنسبة 20%.
وانتشرت في اليونان تعاونيات اقتصادية لمزارعين صغار وأصحاب المحلات التجارية الصغيرة. ووفقاً للأرقام العامة للقطاع التعاوني الناشئ بلغ مجموع رأس مال هذه التعاونيات مليار ونصف يورو من الناتج المحلي الإجمالي، وهو في ارتفاع على عكس الناتج المحلي الذي يواصل الانخفاض منذ ست سنوات.


اسبانيا

يمكن تحديد نقطتي علام في تأثيرات الأزمة الرأسمالية على الاقتصاد الاسباني، وهما الأزمة الاقتصادية لعام 2008، وانعكاس تأثير العقوبات الغربية على روسيا في عام 2014، التي ألحقت الضرر بالمزارعين الصغار بالتحديد، وتسببت بخسائر كبيرة، بسبب إتلاف كميات كبيرة من المحاصيل وقيام اصحاب المتاجر الكبرى بابتزاز الفلاحين لبيع المحاصيل بأسعار بخسة.
تحرك العمال والموظفون والمزارعون الصغار لتأسيس تعاونيات اقتصادية في مواجهة عواقب الأزمتين ومواجهة أصحاب مراكز التسوق والمتاجر الكبرى. ففي إقليم الباسك وحده تسيطر التعاونيات على 95% من قطاعات الاقتصاد الرئيسية، متحدة في ست كونفيدراليات تعاونية كبرى، يبلغ مجموعها 675 تعاونية، كالتالي:
فيدرالية ايركيدي تضم 511 شركة تعاونية يعمل فيها 33152 عامل منهم 23134 شريكاً، فيدرالية الائتمان وتشمل شركتين يعمل فيها 2525 عاملاً، وفيدرالية التعليم وتشمل 76 تعاونية تضم 5142 عاملاً و4100 معلم وأكثر من 54500 طالب، وفيدرالية التعاونيات الزراعية التي تضم 71 شركة و621 عاملاً، وتعاونية النقل وتضم 6 شركات و650 عاملاً منهم 581 شريكاً، وفيدرالية تعاونيات الاستهلاك وتضم 10 شركات و10233 عاملاً منهم 7680 شريكاً، وتعاونيات عمالية صناعية تضم 9000 عامل.
ويولد إجمالي هذه التعاونيات حجم عمل يصل إلى 10460 مليون يورو سنوياً.


التعاونيات الجديدة وتداعي النظام الرأسمالي

أصبح أكثر من نصف الإنتاج الزراعي في أوروبا يتم جنيه وتسويقه عن طريق التعاونيات، التي ارتفعت حصصها من الإنتاج الزراعي، حيث تتراوح حصص التعاونيات في هولندا مثلاً من منتجات الألبان بين 60-100%، ومن الزهور 95%، ومن الخضروات 75%، ومن الفاكهة 75%. وفي النرويج تبلغ حصص التعاونيات من إنتاج وتسويق الأخشاب 73%.
في اليابان تكاد تكون جميع الأسر الريفية أعضاء في التعاونيات الزراعية، وفي الولايات المتحدة تبلغ حصة التعاونيات ما يزيد عن 40% من زراعة وإنتاج الفول السوداني و32% من زراعة وتسويق الفاكهة، و25% من زراعة وتسويق القطن، و15% من الحبوب، و12% من الأعلاف.
كما تحظى التعاونيات الاستهلاكية بحصة كبيرة من أسواق التجزئة تبلغ 32% في الدانمارك، و25% في النرويج، وفي بلجيكا تخدم الصيدليات التعاونية 20% من السكان، وفي السويد تغطي تعاونيات البترول 18% من السوق، كما أن 17% من الوحدات السكنية تقدمها تعاونيات الإسكان.
من اللافت انتشار الاقتصاد التعاوني كأحد أشكال الدفاعات التي تبديها الطبقات الوسطى والفقيرة حفاظاً على مصالحها في مواجهة الكبار في ظل الأزمة الرأسمالية العامة التي تجتاح العالم كما يمثل أحد أشكال تنظيم الاقتصاد «من تحت».
ولكن رغم بحث الناس عن بدائل للنظام الرأسمالي تبقى هذه التعاونيات أسيرة العلاقات الرأسمالية التي تحكم محيطها، فهي مضطرة رغماً عنها للتعامل مع الاقتصاد الرأسمالي، رغم أزمته كون الأساس الذي قامت عليه هذه التعاونيات لا تمس الملكية الخاصة «أساس العلاقات الرأسمالية» بل تخفف هذه التعاونيات من أثار الاستثمار الرأسمالي بنسبة ما.