السعودية في مرمى الحريق الأمريكي!
عاملان أساسيان يثبتان أن «لا خيمة فوق رأس» أية دولة من دول المنطقة في ظل سعي المراكز الأمريكية الفاشية الجديدة إلى وقف تراجع المركز الإمبريالي الأمريكي عبر توسيع رقعة الحريق والفتنة والحروب الأهلية.
تتشابه أنظمة المنطقة، من حيث نوعية الحكم الاستبدادي والظلم الاقتصادي، وتتشابه دول المنطقة، من حيث تنوعها اجتماعياً، بالمعنى الديني والطائفي والعرقي. وعليه تصبح إمكانية انتقال الحريق من مكان إلى آخر، واردة في ظل ذاك السعي الأمريكي المحموم، لإعادة تقسيم وتفتيت المنطقة، على أساس تلك الفوالق، كشكل من أشكال مشاغلة الخصوم الاستراتيجيين في روسيا والصين واستنزاف الحلفاء في أوربا واليابان.
أمام مفترق الطرق
تتغير المنطقة وتتغير أنظمتها وعلاقاتها الخارجية، على أرضية حراك شعبي، وعلى أرضية التراجع الأمريكي. في مصر وتركيا وحتى في إيران، تبدو الأمور في ظل وجود أجهزة دولة قوية، وجيوش قوية، أكثر صعوبة وبعداً عن الانفجار مرحلياً على أقل تقدير، أما في ظل حكم الأسرة المالكة في السعودية، تكون الأمور أكثر تعقيداً، ولاسيما في ظل سلسلة التغييرات الأخيرة، التي بدأت برؤوس هرم السلطة هناك، ولن تنتهي بتسريبات ويكيليكس.
المملكة التي كانت ومازالت أحد المنفذين الرئيسيين للسياسات الأمريكية، في المنطقة، وراعٍ رئيسيٍ لكل مشاريع السيطرة الأمريكية، استمدت شرعية حكمها من تنفيذها لمتطلبات تلك المشاريع، وبقيت محصنة لتقديمها الخدمات للمراكز الغربية. ولكن المراكز الغربية نفسها لديها أزمة شديدة التعقيد، ولا تملك سوى مخرجاً واحداً، هو حرق العالم، وفتح حروب لا نهائية، وبما أن الأسرة الحاكمة غير قابلة للتغير، ولأن المملكة تحتاجه، فإن إمكانية تفجير المملكة من الداخل واردة وضرورية للمراكز الغربية، ويبدو أن العملية قد بدأت.
الرأس الحامي في اليمن!
أهم ملامح تفجير المملكة تجلت بتوريط واشنطن للسعودية لشن الحرب على اليمن، فمن يصدق أن القرار السعودي الخاص، بدخول حرب لم تعرفها السعودية، منذ تاريخ إنشائها هو قرارها المستقل؟ خاصة في ظل معركة يستطيع أبسط المحللين توقع نتيجتها الخاسرة بالتأكيد، كون الموازين الدولية لن تسمح للأمريكي بالانتصار، وبسبب تعقيدات الوضع اليمني العسكرية والأمنية، ناهيك عن عدم أهلية جيوش الخليج لخوض مثل هذه المعارك. ألم يكن ذلك توريطاً للمملكة بهدف هزيمتها عسكرياً وسياسياً، ما يؤدي إلى انتقال تلك الأزمة إلى الداخل السعودي، الذي سيتوتر بشكل كبير كونه لم يكن معتاداً على هذه الدرجة من المخاطر؟! هل يتوقع أحد استكانة السعوديين ببساطة لخسائر هذه الحرب الأمنية والاقتصادية؟!
إن النتيجة اللاحقة، تثبت أن الأمور تتصاعد سريعاً باتجاه التوتير الداخلي، حيث ضربت السعودية تفجيرات عدة في شرق المملكة، مستهدفة طائفة بعينها، وتبنت (داعش) العملية، ومن المعروف أن هذا التنظيم الفاشي ليس إلا ذراعاً عسكرية أمريكية جديدة بالمنطقة.
السعودية ليكس؟!
قد يكون نشر موقع ويكيليكس الإخباري 60 ألف وثيقة، تخص الخارجية السعودية ونشاطاتها، في السياق ذاته. التسريبات تتمتع بهالة من الإثارة أكثر من اللازم، فمعظم ما ورد فيها حتى اللحظة، يعتبر معروفاً وشائعاً عن سلوكيات المملكة، وإن كان غير معلن على الملأ سابقاً، إلا أن أبرز ما يمكن استشفافه من هذه الوثائق تركيزها على نوعية الحكم البيروقراطي والمركزي في السعودية، وعلى تمويلها لقوى في لبنان وغيرها. طبعاً دون أن يقدم الأهم، وهو على سبيل المثال: علاقة السعودية بـ(داعش) وكل المنظمات الإرهابية، أو بالكيان الصهيوني أيضاً، لذلك يبدو ما نشر هدفة الداخل السعودي، وتحريك الركود في الناس، ومحاولة تقليب الناس على الطريقة الأمريكية، أي دفع الناس للاعتراض على شكل نظام الحكم غير الديمقراطي، وليس على دوره ووظيفته في المنطقة، كأداة أمريكية داعمة للفاشية.
هل من صحوة سعودية؟
بعد الحرد السعودي الأخير من الأمريكيين، وعدم حضور الملك في اجتماع كامب ديفيد الأمريكي- الخليجي في الشهر الماضي، تظهر على السطح بعض ملامح البرود والتوجس من الأمريكي، مقابل القبول الأولي بعصي النجاة التي تلقيها موسكو ضمن محاولة الأخيرة، في ضوء دورها المتعاظم تباعاً، ضمن ميزان القوى الدولي الجديد، إطفاء بؤر التوتر في العالم، وحتى الاستباق عليها. فهكذا جاءت الخطوة السعودية، بالانفتاح مجدداً على روسيا، وذهب ولي العهد لموسكو لبحث ملفات الطاقة والفضاء، وليستقبله بوتين شخصياً، في رسالة روسية مزدوجة للمملكة وواشنطن على حد سواء، مع إطلاق دعوات لزيارات متبادلة قريباً على أرفع المستويات.
ما ينبغي سؤاله لاستشراف الوضع السعودي اللاحق، هو: هل باتت الرياض تعي فكرة تغير موازين القوى العالمية، وأهمية الدور الروسي في استقرار المنطقة؟ أم أنها تسعى لمظلة تحتمي بها عند الغدر الأمريكي المرتقب بها، كونها لا تستطيع الاستمرار إلا على أساس «مشروعية» اعتراف دولي ما؟ هذه الأسئلة برسم السعوديين الذين باتوا أمام مهمة البحث عن الإجابات الكبرى.