معركة انتخابية أم حالة انعطافية؟
لم يقرأ الكثيرون نتائج الانتخابات البرلمانية التركية بوصفها إحدى حلقات الانعطاف التي تفرضها شعوب العالم، ضمن تحولات موازين القوى الدولية والإقليمية، بما فيها المنطقة الأوروبية ومحيطها الحيوي.
وذهب البعض إلى تصوير التحول السياسي في المشهد التركي وكأنه أحد «منجزات» بعض الأنظمة التي تكن عداءً «مستحدثاً» لأردوغان. لم تقم هذه المحاولات، كثيرها وبعضها، بإخراج الاستحقاق الانتخابي من إطار التناقضات الموجودة أصلاً داخل المجتمع التركي فحسب، بل وحاولت إخراجه من سياق التطورات والانعطافات الكبرى التي يشهدها العالم، مع انسداد الأفق أمام الإمبريالية الغربية، وأمام أدواتها، لا سيما تلك التي لعبت أدواراً رجعية متفاوتة الشدة، وتورطت في حروب الغرب الإمبريالي المتراجع.
عكست الانتخابات التركية حالة الرفض الشعبي لواقع التراجع الاقتصادي الذي أصاب البلاد بعد تورط حكومة «العدالة والتنمية» في العديد من قضايا المنطقة، ولتصاعد القمع البوليسي اتجاه الشرائح والتيارات الشعبية التركية الرافضة لمحاولات هذا الحزب الاستئثار بالسلطة، والاستمرار في توريط البلاد اقتصادياً وسياسياً، بعد أن سجلت سابقاً معدلات نمو جيدة نسبياً. كما تعكس النتائج الانتخابية ميلاً واضحاً لدى المواطنين الأتراك باتجاه تغليب منطق الحلول السياسية، سواء في الداخل التركي، ارتباطاً بالمسألة الكردية ضمناً، أو في دول المنطقة، التي كان لحكومة العدالة والتنمية دور بارز في تأجيج الصراع فيها.
وبالربط مع الأسباب الداخلية، فإن لتراجع أردوغان أبعاده الدولية والإقليمية، حيث تعاني غالبية الأنظمة التي ارتبطت سابقاً وحاضراً مع الولايات المتحدة من حتمية دفع فاتورة السياسة المرتبكة التي أظهرتها تلك الأخيرة في الكثير من الجبهات التي جرى ويجري الآن إشعالها.
عليه، فإن تراجع «العدالة والتنمية» هو انتصار أولاً للداخل التركي، الذي يطمح لاستعادة استقلالية قراره، وقوة اقتصاده، ولترجمةٍ فعلية أخرى لسياسة «صفر مشاكل مع الجوار»، ولمشهد سياسي جديد يكون فيه «العدالة والتنمية» لاعباً سياسياً رئيسياً دون أن يعني ذلك استفراده بالسلطة، وبما يتناسب مع الظرف الدولي الجديد الذي يجب على تركيا أن تحدد تموضعها فيه، كما يجري الآن في العديد من الدول الأوروبية، انطلاقاً من مصلحتها الوطنية العميقة، التي تفترض الافتراق الموضوعي مع واشنطن والأطلسي.