ماذا بعد سقوط الرمادي؟

ماذا بعد سقوط الرمادي؟

يواصل رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، خطاب الهروب إلى الأمام, في تحميله «الإشاعة» مسؤولية سقوط المدن العراقية بيد «داعش»، حتى عشية وقوع الرمادي، مركز محافظ الأنبار التي تشكل ثلث مساحة العراق، تحت سيطرتها, متجاهلاً الأسباب الحقيقية التي أدت إلى احتلالها.

لم تخرج مقررات اجتماع مجلس الوزراء، غداة احتلال الأنبار، عن هذا النهج التبريري المفلس. حيث نص الإجراء الثاني، ضمن سلسلة إجراءات ثمانية أقرها المجلس، على «فتح باب التطوع لإضافة قوات جديدة في الجيش، وخصوصاً للفرق العسكرية التي تعاني نقصاً عددياً، بما فيها الفرقة السابعة في غرب محافظة الأنبار، وإنهاء عقود المتسربين». أي أنه رغم الاعتراف بالهروب الجماعي للجنود والضباط من الرمادي (في تكرار للمشهد المعيب الذي حدث في الموصل), فإن الإجراء يصر على استبدالهم بمتعاقدين جدد سيدفعون الرشوة إياها، لضباط المقاولات نفسهم، الذين سيواصلون استلام نصف رواتب «المتسربين» حتماً، ناهيكم عن حاجة المتطوعين الجدد إلى فترة زمنية تدريبية، ليمكن زجهم في المعارك بمواجهة قوة محترفة خاضت عشرات المعارك، ومدربة تدريباً عسكرياُ واستخباراتياً عالياً. بكلمة واضحة، تواصل الأطراف الحاكمة والسائدة الخضوع للقرار الأمريكي بمنع إعادة بناء الجيش العراقي، وفق قانون الخدمة الإلزامية الوطنية.
الاستخفاف بالعراقيين: نهجاً
من أكثر مقررات مجلس الوزراء استخفافاً بعقول العراقيين, القرار الثالث الذي نصَّ على «التأكيد على جهوزية وتدريب الشرطة المحلية، لتتمكن من مسك الأرض بصورة صحيحة، بعد تحريرها». ولا نعرف عن أية شرطة يتحدث السيد العبادي ومجلس وزرائه، وقد فرّ 27000 شرطي من مجموع 28000، ولم يصمد سوى 700 شرطي لم يصلهم أي رد على مناشداتهم, ما تسبب باستشهاد أعداد كبيرة منهم بسيارات «داعش» المفخخة.
من جهةٍ أخرى، شهدت الساحة العراقية انقلاباً في مواقف العديد من القوى السياسية، كمجلس محافظة الأنبار، الذي قرر دعوة «الحشد الشعبي» للمساهمة في تحرير الرمادي من «داعش»، وهو ما يؤكد أنه لدى تعرض المواطنين للخطر الداهم، فإن كل الانقسامات الثانوية تتكور حول نفسها، لصالح خوض معركة المقاومة الشعبية المطلوبة والانتصار فيها ولمصالح الأكثرية من الناس، وانعكاساً وطنياً لامتزاج الدم العراقي على أرض المعركة، وارتفاع راية العراق المخضبة بدماء الشهداء فوق الرايات الفرعية جميعها، لتجبر الإرادة الشعبية العراقية حتى أعداءها في واشنطن للانحناء أمام تيار الوطنية العراقية المعمدة بدماء الشهداء.
خطوة متأخرة: كيف نبني عليها؟
لا بد, هنا من التنويه, بالقرار الإيجابي الأول الوارد في مقررات مجلس الوزراء، وإن كان متأخراً، والذي ينص على: «دعم مجلس الوزراء دعوة القائد العام للقوات المسلحة لتحرير محافظة الأنبار كاملة، باشتراك القوات المسلحة العراقية ومتطوعي الحشد الشعبي ومقاتلي أبناء العشائر، تحت إمرة القيادة العامة للقوات العراقية»، كخطوة أولى في الاتجاه التصحيح تتطلب الاستكمال، بخطوات جذرية ترسم استراتيجية وطنية تحررية للمعركة. يأتي في مقدمتها:
أولاً: إعلان حالة الاستنفار التي من بين إجراءاتها حل البرلمان والحكومة- نتاج نظام المحاصصة الطائفية الأثنية الفاسد- وتشكيل حكومة الإنقاذ الوطني المقاومة، بقيادة عسكرية من المقاتلين على الأرض جميعهم وفصائلهم جميعها، بالإضافة إلى المقاتلين المتطوعين من أبناء المدن المحتلة، المتحررين من تأثير تجاذبات رموز نظام المحاصصة. فهي الحكومة الوحيدة القادرة على إنقاذ الوطن من «داعش» والخونة والعملاء والجبناء، ومن لفّ لفهم، ومن صنعهم وحماهم في الإدارة الأمريكية.
ثانياً: إعادة تأسيس الجيش العراقي، وفق قانون الخدمة الوطنية الإلزامية، بعد ثبوت ضعف جيش العقود والفساد الذي رسخه الاحتلال الأمريكي.
ثالثاً: إعلان تجميد العمل بما يسمى «اتفاق المصالح الاستراتيجي»، وإيقاف «التحالف الدولي» لعملياته العسكرية. على أن يبت الشعب العراقي بمصير هذا الاتفاق باستفتاء شعبي يجري بعد دحر الأذرع الفاشية الجديدة.
رابعاً: عقد الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية مع الدول التي برهنت على صداقتها للشعب العراقي واحترامها لسيادته ووقوفها، قولاً وفعلاً، مع قضيته العادلة, وفي المقدمة منها روسيا وإيران التي اعلنت أن «مخازن أسلحتها، ومن الأنواع كافة مفتوحة أمام العراق لاستخدامها في حربه ضد داعش»، بالتوازي مع إعلان القيادة الروسية استمرار وقوفها الكامل مع العراق وشعبه في معركته الكبرى.
لم يعد أمام الحكومة متسع من الوقت لممارسة سياسة الهروب إلى الأمام، برفعها شعار «الإشاعة سبب هزائم الجيش». فما جرى في الأنبار معد له مسبقا على يد الولايات المتحدة وأدواتها تمهيداً ربما لاجتياح بغداد، وما دور خدمها في البرلمان والحكومة سوى المشاغلة بافتعال الأزمات، لكسب الوقت حتى تحين ساعة الصفر لاجتياح بغداد، مع وجود سيناريو للهجوم على كربلاء بهدف إشعال حرب طائفية كبرى.

*منسق التيار اليساري الوطني العراقي