من هؤلاء «السود» الأمريكيون؟

تساهم فكرة «الخط الزمني للأحداث»، التي تلجأ إليها العديد من وسائل الإعلام، بتفريغ الأزمات من محتواها الطبقي. ليصبح حدثٌ، كاحتجاجات مدينة بالتيمور الأمريكية مؤخراً، مقتصراً على «التمييز العرقي»، ضمن التسلسل المكرور إعلامياً: (مقتل شاب «أسود»، احتجاجات، قمع، أعمال عنف).


تحوَّلت الاحتجاجات السلمية المنفجرة إثر مقتل الشاب، فريدي ماك، على يد الشرطة الأمريكية في مدينة بالتيمور- أكبر مدن ولاية ميرلاند على الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة- إلى مواجهات واعتقالات، خرجت عن كونها احتجاجات ضد التمييز العرقي، الموجود فعلاً في الولايات المتحدة، لتكشف تناقضاً طبقياً يفتك بسكان المدينة منذ أعوام.
خلال السنتين الأخيرتين، شهدت معدلات البطالة في صفوف سكان المدينة الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و64 عاماً تضاعفاً، بات معه أكثر من نصفهم خارج سوق العمل. وفيما تعيش أكثر من ثلث أسر المدينة على خط الفقر، يقبع 24% منها تحت ذلك الخط..! هذا فضلاً عن أزمة السكن التي تعصف جدياً بالمدينة، ففي وقتٍ صادرت فيه البنوك الخاصة، خلال العام الماضي فقط، أكثر من 5200 منزل رهنها أصحابها نتيجة العوز، بلغت نسبة المنازل الشاغرة في المدينة ما يزيد على 35% مملوكة لكبار العائلات الثرية التي تقطن خارج بالتيمور.
ويعتمد اقتصاد المدينة على معامل الصلب والحديد الموجودة بكثرة فيها، تلك المعامل التي فصلت مؤخراً ما يقارب ربع موظفيها، في إطار سياسة «إعادة التوزيع الهيكلي» التي تقوم بها بشكلٍ دوري، فيما تتزايد باضطراد نسبة الأطفال المصابين بارتفاع مستوى الرصاص في الدم نتيجة لانبعاثات هذه المعامل.
يعاني من هذا التفاوت الطبقي «السود» و«البيض» على حدٍ سواء، إلا أن «التمييز العرقي» يتجسد في قدرة عدد قليل من السكان «البيض» على مغادرة المدينة نحو مناطق صناعية أخرى، للعمل في ظروف استغلال أقل بقليل من تلك في بالتيمور، فيما يعدُّ ذلك صعباً على السكان «السود»، نظراً لاعتبارات التمييز العرقي والنظرة السائدة اتجاههم في المناطق الصناعية الأخرى.
في احتجاجات بالتيمور، وقبلها فيرغسون، يقف الفقراء «السود» و«البيض» متحدين ضد قوى القمع الطبقي والتمييز العرقي، في وقتٍ يواصل فيه سياسيو الولايات المتحدة، وأدوات إعلامهم، استثمار الثنائيات الوهمية، لتأليب المضطَّهدين ضد بعضهم البعض.