مناورات الحد الأدنى
عكس الاتفاق الإطاري، الذي جرى الاتفاق فيه على وضع الخطوط العامة للاتفاق النووي الإيراني بين مجموعة «5+1» وإيران، واقع الأوزان الدولية المتغيرة، عندما لم تستطع الدول الغربية إجبار إيران على تقديم ما لم تكن مستعدة لتقديمه.
لا تزال البراغماتية الأمريكية، ومنطق المراوغة، حاضراً في سياسة الولايات المتحدة، هذا ما يدلل عليه بالمحاولة الأمريكية لفرض موافقة مجلس الشيوخ على أي اتفاقٍ نهائي يجري مع إيران، وهو ما يسعى للضغط على إيران مجدداً لتقديم المزيد من التنازلات، ويفتح الباب أمام إمكانية التملص الأمريكي من أي اتفاقٍ نهائي يجري حول الملف النووي الإيراني.
لكن منطق المراوغة هذا، وإن كان يفعل فعله لحظياً، إلا أنه يبقى في إطار المناورات الآنية، حيث لم يعد عصرنا الراهن، هو ذلك العصر الذي تستطيع فيه الولايات المتحدة أن تبقي نفسها في حلٍّ من التزاماتها الدولية، نظراً لتراجعها التدريجي والملموس، وصعود أقطاب أخرى إلى مسرح السياسية الدولية. ما يجعل المشهد أكثر «درامية» مما تحاول أن تصوره وسائل الإعلام الغربية، والأمريكية بشكلٍ خاص.
عملياً، فتح الاتفاق الإطاري الباب أمام إيران لإعادة بناء علاقاتها الاقتصادية والتجارية، بعد عقودٍ من العقوبات الاقتصادية، التي وضعت حدوداً لقدرة الاقتصاد الإيراني على المنافسة عالمياً، وسيفتح المجال أمامها عسكرياً لتطوير قدراتها التسليحية الدفاعية، وهو ما جرى في صفقة سلاح الـ«S300» بين روسيا وإيران، والتي اعتبرها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أنها «ستشكل عامل ردع في المنطقة، لا سيما على خلفية الأحداث في اليمن».
ورغم محاولات العرقلة الحاضرة، إلا أن عملية التفاوض بين إيران والسداسية الدولية، تشهد استكمالاً لمهامها، حيث من المفترض أن تبدأ جولة جديدة من المفاوضات فيما بينها، بين 20-23 من الشهر الجاري، بهدف التوصل إلى اتفاق قبل المهلة الزمنية المحدّدة في شهر حزيران من العام الجاري، بحسب الاتحاد الأوروبي. وهو ما يؤكد على جاهزية أغلبية الدول لتسريع حلّ الملف، خلافاً للتصورات ولمحاولات العرقلة الأمريكية.
إن محاولات العرقلة هذه، وما يقابلها من سعي لتسريع العملية السياسية، وما بدئ بتنفيذه من اتفاقات اقتصادية وعسكرية مع إيران، يؤكد أن المحاولات الأمريكية لوضع العصي في عجلات الاتفاق، ليست إلا مناورات الحد الأدنى، التي تثبت أحداث العالم أنها باتت سقفاً لما يمكن للأمريكي المأزوم أن يفعله..!