متنفسٌ دولي للاستعصاء الليبي
بعدما أنجزت الإمبريالية الغربية «مهمتها» في تدمير الدولة الليبية، تسعى اليوم إلى تثبيت ليبيا كبؤرة لأذرع الفاشية الجديدة («داعش»، و«أنصار الشريعة»، و«بوكو حرام».. إلخ)، في ظل سعي الحكومة الليبية لاستثمار المتنفس الدولي الجديد، بما يفضي إلى وضع حد لمشروع الفوضى في البلاد.
وجدت حكومة طبرق الليبية نفسها- وهي التي حصلت على اعترافٍ دولي بشرعيتها- مقيدةً في عملية استعادة نوع ما من الاستقرار إلى البلاد. فعدا عن العراقيل الماثلة أمام العلاقات الاقتصادية مع دول العالم، يظهر حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا كأحد عوامل الإبقاء، على دور الأذرع الفاشية الجديدة وضمان استمراره، وتحويل ليبيا معه كبؤرة لتصدير الإرهاب إلى دول العالم.
دعم تركي وتمويل قطري
كان حصار ليبيا، بهذا المعنى، ممهداً لتوجهها نحو القوى الدولية الصاعدة، التوجه المعبَّر عنه بسلسلة التصريحات التي خرجت من جانب الحكومة الليبية، وآخرها الزيارة النوعية لرئيس الوزراء الليبي عبد الله الثني الأخيرة إلى موسكو، والتي أجمل الرجل بعض ملامح مرتكزاتها ونتائجها في لقائه مع قناة «روسيا اليوم»، والذي طالب خلاله موسكو بـ«إعادة تقديم الدعم العسكري والاقتصادي الذي درجت على تقديمه منذ خمسينيات القرن الفائت».
في الشكل، تريد الحكومة الليبية تفعيل الاتفاقيات التي عقدت في 2008 بين ليبيا وروسيا، والتي لا تزال سارية المفعول حتى عام 2020، ما يسمح بكسر حظر التسليح على ليبيا، التي تقف إلى الآن بإمكانيات محدودة في مواجهة التنظيمات الإرهابية. أما في العمق، فتبحث الحكومة التي تعاني من «خطر الدعم التركي المطلق والتمويل القطري للمجموعات الإرهابية»، بحسب الثني، عن مخارج لها من الاستقطاب الإقليمي عبر تفعيل علاقتها مع روسيا ومع دول الجوار، حيث كشف الثني عن أن دول جوار ليبيا (مصر، تونس، الجزائر) تدعم العملية السياسية الليبية، بمقابل «بعض الدول الإقليمية التي تسعى إلى فرض هيمنة التيار المتطرف على الشعب الليبي. هذا التيار الذي انتهى في مصر وتونس، والمكان الوحيد له هو ليبيا».
ويأتي التوجه نحو روسيا بعدما أثبت الغرب أن المشروع الوحيد الحاضر بين يديه هو إحراقها. يقول الثني، الذي كانت له مواقف سابقة أقل تشنجاً من تدخل «الناتو» في بلاده: «أصبنا بخيبة أمل من قبل من كانوا يقدمون لنا الدعم. وتخلوا عنا في لحظات كان الشعب الليبي أشدّ ما يكون بحاجةٍ للوقوف إلى جانبه»، فيما كانت السياسة الروسية هي «السياسة الثابتة. هناك نهج في خط السياسة الروسية لا يتغير بتغير المصالح».
أبعد من الجانب العسكري
تؤكد التوجهات الليبية الجديدة على عدم قصر العلاقات مع الجانب الروسي بالشق العسكري فقط، بل على إعادة تطوير مشاريع الاقتصاد والبنية التحتية، من مشاريع سكك الحديد التي توقفت، والطاقة والمواصلات.. إلخ. وهنا يقول الثني: «لذلك لجأنا إلى روسيا، لتفعيل الاتفاقيات العسكرية واتفاقات أخرى»، ويذهب للتأكيد على أنه «جرى الاتفاق. والشركات النفطية الروسية ستعود للعمل في الأراضي الليبية».
ويقول بعض المراقبين إن زيارة الثني ومحادثاته في موسكو، هي إشارة نوعية جديدة تتعلق بحقيقة تتبلور تباعاً، مفادها أن مستجدات التغير في موازين القوى الدولية تفتح الباب أمام فرصة ذهبية، قد تجعل مشروع الحريق الغربي في ليبيا مشروعاً ينتمي إلى مخلفات مرحلة الانفراد والهيمنة، في سياسة القطب الواحد على الصعيد العالمي.