إعادة جدولة لأزمات متواصلة
تهيمن على العراق آلة إعلامية جبارة: عشرات الفضائيات «العراقية»، ومثلها عربية ودولية، ناهيكم عن الصحف، تسوِّق جميعها للخطاب الأمريكي ومنتجاته المحلية المبشِّرة بـ«حربٍ طويلة الأمد على الإرهاب».
جرت محاولة لاختراق هذه الاستراتيجية الإعلامية على الأرض، وتمثلت بتحرير صلاح الدين وقبلها ديالى في فترة زمنية قصيرة، رغم محاولات الإعاقة الأمريكية على كل المستويات السياسية والعسكرية. لم يتمكن الطائفيون على مختلف الجبهات من إنجاح عملية الإعاقة الأمريكية هذه، بل أدت بهم إلى العزلة الشعبية، حتى بين الأوساط التي كانت داعمة لهم.
غير أن عملية تحرير المدن المحتلة، من الأداة الفاشية «داعش» ما تزال تعاني من ضعف مقومات النجاح الأساسية، أبرزها: فقدان القدرة للحفاظ ميدانياً على الأرض المحررة، ومدى القدرة على شلّ إمكانيات هذا التنظيم، لشن هجمات مضادة واستراتيجية، كالهجوم الجاري على مصفاة بيجي، أكبر مصفاة نفط في العراق، واحتلال مناطق في محافظ الأنبار ظلت صامدة بوجه هذا التنظيم الإرهابي طيلة فترة وجوده في العراق، اعتماداً على القدرات الذاتية لأهاليها، مما يشكل انتكاسة مبكرة لخطة تحرير الأنبار التي تعتمد، بالدرجة الأولى على اعتبار المناطق الصامدة هذه مرتكزاً للهجوم، إضافة إلى الفلتان الأمني الذي ساد تكريت بعد تحريرها، وانتشار عمليات النهب وحرق البيوت وممتلكات المواطنين.
جاء اجتماع أوباما- العبادي لوضع النقاط على حروف «اتفاق المصالح الاستراتيجي» الذي تعرض لاهتزاز الثقة على أرض المعركة، في أول اختبار له عقب تعرض السلطة القائمة لتهديد وجودها جدياً، خصوصاً وأن الانقسام الذي يسود قوى المحاصصة الطائفية المشاركة في نظام 9 نيسان 2003 حول تقييم فاعلية الدور الأمريكي واتجاهه الحقيقي، أخذت كفَّته تميل لصالح القوى المقاتلة على الأرض.
لذلك، لم يكن مستغرباً، اضطرار أوباما والعبادي لإبداء مواقف تفصيلية غطَّت خارطة المشهد العراقي برمته، وجاءت بمثابة «إعلان مبادئ تطبيق اتفاق المصالح الاستراتيجي»، وصياغتها بمفردات وجمل على درجة عالية من الدقة والحذر، بهدف إعادة «الثقة» بالاتفاق، والالتفاف على دائرة القوى المعارضة من داخل بنية النظام القائم.
ولعلَّ الرسالة الرئيسية تقول: أن العراق سيبقى بلداً للنهب، وأمريكا ستبقى بلداً «متفضلاً عليه»، فبعد هدر الأموال وسرقة مئات المليارات من أموال الشعب العراقي يعلن أوباما عن «تقديم 200 مليون دولار كمساعدة إنسانية إضافية للعراق»..!
من جهته، أعلن وزير الدفاع العراقي، خلال الزيارة ذاتها، أن «طائرات F16 ستصل إلى العراق»، وهي الطائرات المتعاقد عليها ضمن برنامج تسليح الجيش العراقي منذ سنوات بـ41 مليار دولار، دُفع ثمنه مسبقاً إلى البنتاغون دون أن يجد طريقة للتنفيذ. كما أكدت الرسالة على الموقف الأمريكي الثابت، القاضي بمنع إعادة بناء الجيش العراقي على أساس وطني، حيث تم إعلان دعم تشكيل «الحرس الوطني» وتسليح العشائر، ناهيكم عن «الحشد الشعبي» و«البيشمركة» و«الجيش التطوعي» القائم.
وقال البيان المشترك الذي صدر في بغداد وواشنطن «إنهما شددا على الشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد، بين العراق والولايات المتحدة، والتي تقوم على أسس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، والتزام الطرفين باتفاقية الإطار الاستراتيجي المشترك، التي تربط بين البلدين منذ عام 2008»..
وبذلك، يكون اجتماع أوباما- العبادي، قد وضع النقاط على حروف «اتفاق المصالح الاستراتيجي»، لإعادة جدولة الأزمات المستعصية التي يعانيها العراق، وقَطَع الطريق على الخطاب التضليلي الذي يروج «للتغيير» المزعوم القادم على يد الحكومة الحالية.
منسق التيار اليساري الوطني العراقي