المرحلة و«الجدار الهَشّْ»
تسير مجريات الخارطة السياسية على الصعيد العالمي نحو التعبير، أكثر فأكثر، عن جوهر التغيرات الحاصلة في موازين القوى الدولية، لترسم الملامح العامة للنظام الدولي الجديد، متعدد الأقطاب والقوى.
تناور القوى المتراجعة، وعلى رأسها الولايات المتحدة المحكومة بتسارع أزمتها البنيوية، عبر أذرعها الفاشية ومؤسساتها الدولية، لفرض المزيد من الهيمنة على دول العالم، هادفة إلى إبطاء تراجعها هذا، في وقتٍ تسعى فيه الدول المتضررة من تلك الهيمنة، وبالتحديد الدول التي تحوز موارد اقتصادية تؤهلها فيما لو نسقت جهودها لتشكيل أكبر قوة اقتصادية في العالم، إلى خلق البدائل الكفيلة بإخراجها، ودول الأطراف المتضررة أيضاً، من قيود المؤسسات الدولية المهيمن على قرارها أمريكياً.
في هذا السياق، جاءت مستجدات التنسيق بين دول «بريكس»، والتنسيق الروسي- الصيني، والروسي- اليوناني، في مقابل ازدياد تضييق المؤسسات الدولية والأذرع الفاشية الأمريكية على بلدان العالم، ليؤكد انقسام العالم بين قوى الحرب التي تعتاش على افتعال وخلق بؤر التوتر، وبين قوى السلم التي تتخذ من «التجميع» سلاحاً في وجه الهيمنة الإمبريالية التي باتت من عوامل النظام الدولي الآخذ بالانهيار.
وفيما تذهب أزمات العالم باتجاه الحلول السياسية، بنسب وسرعات متفاوتة، والتي لم يكن آخرها الاتفاق الإطاري حول الملف النووي الإيراني، والمضي قدماً في مسار الحل السياسي السوري، الذي شهد جولة أخرى ناجحة للقاء التشاوري السوري في موسكو، فضلاً عن انسداد الأفق العسكري في اليمن، وبقائه في طابعه العملياتي دون أن يفلح في الإسهام بتغيير الأوزان على الصعيدين الإقليمي والدولي، كل ذلك، من بين مؤشرات دولية أخرى، يبين عمق الأزمة وحالة التخبط المستمرة التي باتت سمة القوى الهابطة دولياً، في مقابل نجاعة نهج الحلول السياسية وإطفاء الحرائق الذي تتبناه الدول الصاعدة.
دفنت المرحلة التي تمر فيها البشرية، منذ مطلع الألفية الثالثة، عملياً، واقع التراجع الذي أصاب الحركات الثورية في النصف الثاني من القرن الماضي، وهو ما يفتح الطريق أمامها ليس لمحاصرة الإمبريالية الغربية المتراجعة فحسب، بل للإجهاز على المنظومة الرأسمالية، التي خلَّفت أزمتها العظمى تناقضات بين أقطاب البيت الرأسمالي نفسه، ما أدى إلى توازنٍ دولي متحرك يفتح ثغرة أمام الشعوب للانقضاض على «جدار الرأسمالية الهش».