قتال «داعش» وإرهاصات ولادة النظام الوطني
انطلقت المعركة ضد «داعش» مستنهضةً الروح الوطنية العراقية المقاومة، التي ستضع نتيجتها حداً فاصلاً لما قبل 10 حزيران وما بعده، وستجيب على أسئلة كثيرة، بما في ذلك كشفٌ لدور العديد من السياسيين وكتلهم.
من بين الذين ستكشف المعركة عن دورهم، يبرز دور الأخوين النجيفي في تسليم الموصل إلى «داعش»، على خطى جدهم، عبدالعزيز النجيفي، الذي حاول فصل الموصل عن العراق غداة تأسيس الدولة العراقية عام 1921، عبر حثّ أهاليها على التصويت لإلحاق الموصل بتركيا.
لم يأت تصريح أسامة النجيفي، سليل هذه العائلة الإقطاعية المعادية لوحدة الشعب العراقي، والذي طالب فيه بإشراك تركيا (التي تحتضن «داعش») في معركة تحرير الموصل، سوى تعبيرٌ عن القلق من العقاب الشعبي الحتمي الذي ينتظره هو وأمثاله، من روؤس الفساد في الحكومة والجيش وبعض القيادات العشائرية الكردية التي تتعرض لضغوط من داخل التحالف الكردستاني وخارجه للتخلص من وهم إمكانية تقسيم العراق.
أما طبيعة المعركة، فهي تحمل إرهاصات ولادة جبهة وطنية تحررية عراقية مدعومة شعبياً، تحلُّ بديلاً عن نظام المحاصصة الطائفية الأثنية الفاسد، وتكون أول قرارتها إعلان وفاة ما يسمى بـ«اتفاق المصالح الاستراتيجي» مع الغازي الأمريكي. وستسعى لتمزيق كل الخرائط الفيدرالية التقسيمية المعدَّة لتفتيت المنطقة برمتها.
لم يأت تحذير رئيس أركان الجيوش الأمريكية، الجنرال مارتن ديمبسي، للعراقيين بـ«أن يكونوا واعين للتحدي المتمثل بضرورة إبقاء الإئتلاف موحداً» وأن «المعركة تتطلب صبراً» إلا برهاناً عن شعور إدارته بقرب دفن هذا التحالف العداوني الذي لم يقدم للعراقيين سوى الضربات الجوية ضدهم! وإنزال الأسلحة والمؤن لـ«داعش» عن «طريق الخطأ»، ناهيكم عن إيهام العراقيين بأن المعركة طويلة وقد تمتد لعشرة سنين.
تجري اليوم معركة مصيرية على أرض العراق، يحاول الإمبرياليون والصهاينة وأتباعهم على الجبهتين، أن تكون حرباً طائفية وعنصرية تفضي إلى تقسيم العراق، وفق المخطط المعدُّ سلفاً. وهذا ما يفسر الإصرار على خوضها تحت شعارات طائفية مقيتة. إلا أن مسار المعركة آخذ بالاتجاه نحو استنهاض الروح الوطنية العراقية المتأصلة في نفوس العراقيين، أحفاد ثورة العشرين وثورة 14 تموز 1958 الخالدة والانتفاضات الشعبية مند تأسيس الدولة العراقية حتى يومنا هذا: ضد الاستعمار الإنكليزي والاحتلال الأمريكي، وضد الدكتاتورية السابقة ونظام المحاصصة الطائفية الفاسد والتابع للغازي الأمريكي.
لم تجد الطبقة الطفيلية الحاكمة سلاحاً للدفاع عن نفسها، سوى الشعار القومجي سيء الصيت: «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، فارتدت عليها تظاهرات عمالية وجماهيرية تطالب بمحاكمتها نتيجة قصورها وتعاملها مع المحتلّ الأمريكي الذي دمَّر مقدرات الشعب العراقي طوال العقد المنصرم.
إنها صيرورة عراقية، فبلادنا تكتب التاريخ بسواعد أبنائها، ليس تاريخ العراق المستقبلي المُحرَّر فحسب، بل تاريخ المنطقة برمتها في ساحات القتال في جرف النصر والمقدادية والضلوعية والفلوجة والدور والعلم وتكريت وكركوك ولا تنتهي إلا بتحرير الأنبار والموصل وتطهير كل شبر أرض عراقية من رجس «داعش» وصانعيها الأمريكيين.
معركة تلد شعارها الوطني العراقي، ورايته المخضبة بدماء الشهداء الذين تجاوزا كل التخندقات الطائفية المفتعلة، فسطروا ملحمة وطنية معمدة بالدم العراقي، رافعين شعار «كلنا فداء العراق». الشعار الوطني التحرري الطارد للشعارات الطائفية والمذهبية.
* منسق التيار اليساري الوطني العراقي