اليسار العربي والإسلام السياسي
عقد اللقاء اليساري العربي الخامس في 20-21/ شباط 2015 في الرباط تحت شعار «حركة تحرر وطني جديدة من أجل التغيير بأفق اشتراكي»، وكان على جدول أعماله: تقييم عمل اللقاء اليساري العربي ونضالاته، واستعراض الأوضاع في البلدان العربية والحلول المقترحة، والبحث في القضية المركزية وتحديدها، بالاستناد إلى شعار اللقاء الخامس، وندوة حول «الحركات الإسلامية»، ووضع برنامج للتحركات المشتركة.
إن فكرة تأسيس اللقاء اليساري العربي تستهدف، في الأصل، إعادة تنشيط وتجديد اليسار العربي بمختلف مشاربه. وعلى مدى أربعة لقاءات سابقة، يمكن الحديث عن تطور في عمل اليسار العربي، سواءً من ناحية التعاون بين القوى اليسارية فيما بينها في كل بلد على حدة، أو على المستوى العام. وفي الوقت نفسه يمكن التأكيد على أن اليسار العربي، عبر هذه المؤسسة، تمكن من التخلص من فكرة تمثيل اليسار لهذا الطرف أو ذاك في بلده. فاليسار بدأ يقتنع أنه، بغض النظر عن تعدد الفصائل، فإنه يوجد في خندق واحد، أي في مواجهة القوى الإمبريالية والصهيونية والظلامية والهجوم الهائل الجديد الذي يستهدف تدمير المنطقة.
صراع متعدد الأوجه
يخوض اليسار العربي صراعاً متعدد الأوجه له علاقة بمواجهة القوى الإمبريالية والرجعية وبالإيديولوجية والثقافة وحقوق المرأة وقضايا النقابات. وواجه اللقاء اليساري العربي الخامس الذي عقد في المغرب سؤالاً مهماً يتعلق بالتحديات الراهنة وسبل مواجهتها عملياً. ففي اللحظة الراهنة هناك الأزمة العامة الشاملة التي تعيشها الرأسمالية، خصوصاً في أمريكا، يجعلها أكثر عدوانية لتصدير هذه الأزمة ومحاولة حلها عبر إشعال الحروب ونهب الثروات. وبهذا المعنى فإن المعركة الآن في المنطقة العربية تكاد تكون حاسمة بعد معارك تاريخية عدة، وهذا الهجوم يواجهه تصدٍ من نوع جديد، فهناك مقاومة في المنطقة العربية وليست مقاومة دول، فالحرب اليوم تجري مباشرة مع الشعوب العربية سواء مع المقاومة المسلحة العربية أو مع المقاومة الشعبية التي نزلت بالملايين للشوارع حاملة شعارات وطنية وقومية وديمقراطية تحررية.
اليسار بين التأهيل والتجدد
هناك معركة كبيرة، العامل الجديد فيها هو أن الشعوب أخذت زمام المبادرة بيدها، وهذا ما يقلق الحكام الإمبرياليين لأنهم تعودوا على محاربة أنظمة قادرين على تغييرها أو امتصاصها أو عقد صفقات معها. ويمكن القول إن المعركة حالياً باتت مفتوحة، ولهذا تقع على اليسار مهمات جديدة، تتعلق بكيفية استيعاب هذه التحركات والانتفاضات الشعبية، وكيفية استيعاب الحركات الشبابية وتوجيهها بالاتجاه الذي يخدم الهدف المركزي للمعركة ألا وهو تحرر المنطقة العربية من قبضة الهيمنة الإمبريالية.
واليسار العربي مؤهل لأداء هذه المهام، فهو أولاً قوة مجتمعية وسياسية كبيرة تمتد جذورها في عمق التاريخ. ثانياً، اليسار خلال العقدين الماضيين أو أقل بدأ يتطور ويتجدد مع الحياة ولم يعد ذلك اليسار المغلق، في عملية تكاد تكون وكأنها صيرورة جديدة لليسار في خضم الصراع الطبقي والوطني بما يسمح بتحويله بسهولة إلى «دينامو» في هذا الحراك. وهناك مؤشرات كبيرة على أن قوى اليسار تلعب دوراً كبيراً في مصر، في تونس، وفي سورية التي أصبح فيها الحل اليساري هو السائد أخيراً. ففي بداية الأزمة السورية كان اليسار، وهو بالتحديد رفاقنا في «حزب الإرادة الشعبية» الذين هم أعضاء في اللقاء اليساري العربي، والذين لديهم نفوذ واسع وسط الشباب، وشاركوا في الحراك الشعبي السوري في بداية التظاهرات حينما كانت مطالبها مرتبطة بالعدالة والحرية والتقدم، هذا اليسار طرح منذ البداية أنه لا مجال لحل عسكري للأزمة في سورية وأنه يجب التشبث بإيجاد حل سلمي ديمقراطي يضمن تغييراً اجتماعياً ديمقراطياً داخل المجتمع. لكن للأسف هذه الفكرة كانت مرفوضة من النظام السوري، وخاصة القوى المتشددة والفاسدة داخله، ومرفوضة أيضاً من قوى المعارضة المتشددة أو تلك التي قدمت ومولت من الخارج. لكن بعد هذه السنوات من الصراع والخسائر الكبيرة أصبحت الآن فكرة الحل التي طرحها اليسار السوري شبه منتصرة، وما اجتماع موسكو التشاوري- والآن يحضرون لاجتماع آخر- إلا «رضوخاً» من قوى النظام وقوى المعارضة المتشددة لفكرة الحل اليساري.
ورقة تقييم عمل
اللقاء اليساري العربي
قدمت ورقة تقييم عمل اللقاء اليسار العربي نقاطاً رئيسية حول مسيرته: تأسس «اللقاء اليساري العربي» في شهر تشرين الأول 2010، في بيروت، وعلى جدول أعماله ثلاث أوراق للنقاش، تناولت العناوين التالية: تنظيم المواجهة الوطنية للعدوان والاحتلال والسيطرة الإمبريالية والصهيونية، تفعيل العمل بين صفوف الطبقة العاملة والفلاحين والفئات الشعبية والمثقفين وصياغة برنامج النهوض الاقتصادي والتنمية والتطور الاجتماعي، الدفاع عن الديمقراطية والحريات العامة والمساواة. وكان الهدف من هذا النقاش البحث في سبل التعاون والتنسيق بين قوى اليسار العربي، وإمكانية بناء جبهة يسارية عربية، مع تحديد كيفية خروج اليسار من الأزمة التي يتخبّط بها، وذلك بهدف قيادة التغيير الذي تتوفر ظروفه الموضوعية. وكان ذلك قبل شهرين فقط على اندلاع الثورة التونسية وما تبعها من ثورات وانتفاضات، أهمها في مصر التي لم نتوقع حدوثها سريعاً.
وتجدر الإشارة إلى أن الاجتماع الثاني للقاء اليساري العربي، الاستثنائي، الذي عقد في وهج ثورتي تونس ومصر (شباط 2011)، ركز بشكل خاص على مخاطر الثورة المضادة (بقايا الأنظمة المنهارة، والقوى الدينية السياسية). بينما كان الشعار المهم للاجتماع الثالث (2012) هو العمل على بناء «جبهة مقاومة وطنية عربية لمواجهة الإمبريالية ومن أجل التغيير الديمقراطي الشامل». والأهم في ذلك اللقاء كان البحث الاقتصادي– الاجتماعي والبرنامج المشترك الذي أقر بهذا الصدد، مرفقاً مع طرح مسألة الدور الذي يعدّ للقوى السياسية الدينية سياسياً واقتصادياً.
أخيراً، لا بد من الإشارة إلى ما أقره الاجتماع الرابع السابق، الذي انعقد عشية ثورة 30 يونيو 2013 في مصر، والذي اتفق على مسألتين: وضع برنامج استراتيجي للقاء اليساري العربي، يجمع بين مهام النضال من أجل الديمقراطية والمساواة وبين مهام التحرر الوطني من السيطرة الامبريالية، والنضال من أجل تصفية القواعد العسكرية الأجنبية وإلغاء الاتفاقيات المتعارضة مع السيادة الوطنية، وكذلك تطوير دور الأطر النقابية والشبابية والنسائية كمدخل لتجميع كل المتضررين من أنظمة التبعية ومن كل السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتهجها الرجعية العربية الحاكمة.
مداخلات التيار
اليساري الوطني العراقي
وخلال جلسات النقاش في اللقاء اليساري الخامس قدم التيار اليساري الوطني العراقي مداخلته التي حملت عنوان «الحل اليساري هو طريق الشعب للخلاص من الكارثة واستعادة الوطن المستباح»، والتي سبق لقاسيون أن نشرتها مسبقاً في عددها رقم 693 بتاريخ 15/2/2015، كما قدم مداخلة أخرى حول «الحركات الإسلامية» تناولت الإسلام السياسي في العراق (سيجري نشرها لاحقاً). وأشارت المداخلة إلى أن الورقة المقدمة من الحزب الشيوعي المصري والحزب الشيوعي السوداني، وبما تمثله من مشتركات في العالم العربي، هي ورقة غنية في ناحية الاستعراض التاريخي، كما تمت الإضافة عليها من حزب التقدم والاشتراكية والحزب الشيوعي اللبناني، ولاسيما أهمية الربط والتمييز بين ما هو تكتيكي واستراتيجي في الموقف من القوى الإسلامية، والموقف منها من الناحية الوطنية، ناحية التصدي للغزو ومقاومة الاحتلال، ومن الناحية الطبقية المرتبطة بالبرنامج الاقتصادي والاجتماعي.
حول المداولات
والأوراق والبيان الختامي
وإذ جاء البيان الختامي معبراً عن موقف موحد من القوى الإرهابية في الإسلام السياسي ، فإن حوارات الندوة حول الإسلام السياسي قد أبرزت خلافات واسعة، بل وتناقضات في النظرة إلى القوى والأحزاب الإسلامية. وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن مندوبة حزب الشعب الفلسطيني صنفت حركة حماس كصنيعة صهيونية في حين رأى مندوب التيار التقدمي الكويتي في حزب الله حزباً طائفياً إرهابياً مثله مثل داعش، غير أن التجربة المغربية الراهنة قد أخذت حيزاً كبيراً من الحوار.
فقد أعلن حزب النهج الديمقراطي (ضرورة التمييز بين قوى الإسلام السياسي التي تحارب الامبريالية والصهيونية والأخرى التي تكرس هيمنتها في المنطقة). وأضاف (أما فيما يخص الحريات العامة، وأنتم مجتمعون في الرباط، فإن الحكومة التي يوجد فيها حزب التقدم والاشتراكية فوضت لوزير الداخلية بشن حرب هوجاء على الحركة الحقوقية، وعلى رأسها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمات الشبابية والطلابية والنقابية ونشطاء حركة 20 فبراير التي تبرأ منها حزب التقدم والاشتراكية كباقي الأحزاب الملتفة حول النظام، منذ ولادتها الأولى عبر سلسلة من إجراءات القمع والتضييق والمنع من عقد الندوات والأنشطة).
أما حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي المغربي فيرى في ورقته المقدمة أن (الحكومة المغربية الحالية التي يقودها حزب أصولي يعتبر امتداداً للجماعة التي اغتالت أحد أبرز قادة اليسار ومنظريه في منتصف سبعينيات القرن الماضي، الشهيد عمر بن جلون، وهي حكومة يشارك فيها- وللمفارقة- حزب التقدم والاشتراكية الذي يمثل الامتداد التاريخي للحزب الشيوعي المغربي، وهي تندرج في سياق استمرارية الحكومات السابقة التي يتحكم فيها القصر وينحصر دورها في تدبير الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتفادي الانفجار الاجتماعي وتمرير قرارات لا شعبية...).
من جهته دافع الحزب المضيف للقاء اليساري العربي الخامس– حزب التقدم والاشتراكية- عن موقفه في المشاركة في الحكومة برئاسة حزب إسلامي، مفسراً المواقف المستغربة لهذا التحالف بأنها «خلط في المفاهيم غير محمود تجاه تكوين تحالف حكومي قائم على برنامج إصلاح حكومي دقيق»..!
بين الظاهرة الطبيعية
والدور الوظيفي..
إن ما تقوم به اجتماعات اللقاء اليساري العربي هو تقييم لما جرى طيلة سنة، وكيفية العمل من أجل تطوير بعض جوانب العمل المشترك فيما بين قوى اليسار العربي، وبالتالي فالحوار سيبقى مفتوحاً وهو يشمل الجانب الإيديولوجي والرؤى والتصورات المتعددة، وهذه ظاهرة صحية، وستبقى مستمرة. وليست هناك من أوهام أن هذه اللقاءات ستؤدي إلى نوع من التطابق في الرؤى، وأننا أصبحنا حزباً واحداً، فليس هذا هو المطلوب، بل المطلوب يسار نشط وحقيقي ملتصق بالمصالح العميقة للجماهير ويؤدي دوره الوظيفي المنوط به، وطنياً واقتصادياً اجتماعياً وديمقراطياً.
منسق التيار اليساري الوطني العراقي