من «جنيف1» إلى «مينسك2»: التقدم مستمر
على طول الخط، سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إشعال المزيد من بؤر التوتر، وترسيخها واقعاً يهدد الأمن المباشر وغير المباشر لمنافسيها الدوليين، ما خلق من كلِّ بُد تغليبٍ لمنطق الحلول السياسية انتصاراً للقوى الرافضة لمشروع الحريق الأمريكي.
مع بدايات الأزمة السورية، تأهبت الولايات المتحدة الأمريكي خصوصاً، والغرب بشكلٍ عام، للدخول على خط الأزمة من بوابة استثمار الاحتقان الاجتماعي وعسكرة الحراك الشعبي بما يفضي إلى حرفه عن مساره السليم ومحاولة التحكم بحركته اللاحقة.
في هذا السياق، شكَّل بيان «جنيف1» الصادر في 30/6/2012، وما سبقه من «فيتوات» روسية صينية مكرَّرة في مجلس الأمن الدولي، ضربة قاسمة لمشروع الإحراق الأمريكي. في حينه، في حين حاولت الولايات المتحدة الأمريكية أن تتراجع عن البيان عن طريق خلق تفسير أمريكي له ينسف جوهره الفعلي، ويشغل العالم بمماحكات دبلوماسية مطولة حول الجوهر الحقيقي للبيان.
منذ ذلك الحين، فهم جزءٌ من الإدارة الأمريكية أن خيار التدخل العسكري الخارجي المباشر في سورية بات خياراً ساقطاً فعلياً. وعليه، بدأت أمريكا بالعمل على خطين متوازيين: عرقلة استحقاقات الحلول السياسية كلها، كما فعلت في مؤتمر «جنيف2» الذي حاولت من خلاله فرض «معارضتها» كـ«ممثل شرعي ووحيد للشعب السوري»، وزيادة منسوب التدخل العسكري غير المباشر عن طريق تحريك أدواتها الفاشية الجديدة التي تمهد الطريق لإنشاء «تحالفات دولية» توكل إليها مهمة التدخل العسكري غير المباشر، بما قد يسمح لها- حسب رؤيتها- لاحقاً باتخاذه ذريعة للتدخل المباشر.
في أوكرانيا، فشلت أمريكا عملياً في ترسيخ الفوضى على الحدود الروسية. حيث استثمر الطرف الروسي الفرصة لاستعادة شبه جزيرة القرم، وخُلِقت جمهوريتين شعبيتين، هما لوغانسك ودونيتسك.
ومع ازدياد فرص الحل السياسي، الذي دعت إليه روسيا منذ البداية وباقي دول «رباعية النورماندي» لاحقاً، استعادت الولايات المتحدة الأمريكية الأداة ذاتها في عرقلة مساعي الحل السياسي، حيث استحضرت تفسيراً خاصاً بها لاتفاق «مينسك2» وبدأت وسائل إعلامها تروِّج في كل مناسبةٍ إلى سقوط الهدنة بين الطرفين الأوكرانيين، فضلاً عن زيادة منسوب التدخل غير المباشر عن طريق زيادة انتشار قوات حلف «الناتو» بالقرب من روسيا وأوكرانيا، بالاعتماد على بعض دول أوروبا الشرقية.
الجديد في الحدث الأوكراني، وفي مسار العرقلة الأمريكية، هو أن الاتجاه العام للأحداث في أوكرانيا يسير بخطواتٍ ثابتة اتجاه إيقاف النزيف الذي خلفته الحرب بشقها العسكري، وبما يفضي إلى تظهير ميزان القوى الدولي بشكلٍ أكثر وضوحاً، لا سيما بعد فشل المشروع الأمريكي الباحث عن رقعة توترات دائمة على حدود المنافسين الدوليين. حيث بات ترسيخ حل سياسي في أوكرانيا هو مصلحة أوكرانية روسية أوروبية مشتركة، خصوصاً بعد أن دفعت أوروبا ثمناً باهظاً جراء سريان منطق العقوبات الاقتصادية ضد روسيا التي تربطها معها علاقات اقتصادية واسعة لا طاقة لمعظم اقتصادات الدول الأوروبية على تحمل تبعات انهيارها.