مجرم حرب يتصدر مسيرة ضد الإرهاب!
لم تتوقف ارتدادات العمل الإرهابي الذي استهدف صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية الأسبوعية، وسوبر ماركت «هيبر كاشير»، على حالة الاستنفار العسكري/ البوليسي «المحلي» داخل أراضي الجمهورية الفرنسية، والأمني «العابر للحدود» داخل القارة الأوربية والأمريكية.
على العكس مما سبق، وصلت الارتدادات إلى «استنفار عالمي في مواجهة الإرهاب» الذي ضرب باريس، وفي الدعوة للقضاء على «الذئاب المنفردة» التي نفَّذت الهجومين الإرهابيين، وملاحقة الآخرين الذين مازالوا طلقاء، بانتظار اللحظة المناسبة للانقضاض على هدف جديد، وهذا ما عبرت عنه- ولا تزال- وسائل الإعلام، والإدارات السياسية/ الديبلوماسية في دول العالم.
إرهاب القلم والريشة
أمام سيل التعليقات والتحليلات والكتابات التي غطت مساحات هائلة في وسائل الإعلام، بدءاً من الصحافة المقروءة مروراً بمواقع التواصل الاجتماعي وانتهاءً بالإعلام المرئي والمسموع، فإن تفاوتاً بل، انحيازاً- باستثناء قلة من الأقلام الجادة والموضوعية والرصينة التي عالجت القضية من مختلف جوانبها- ظهر في تناول الحدث من خلال البحث عن الدوافع والأبعاد، بهدف الوصول لدراسة نتائج ما حصل، وما سيحصل، أمام إصدار الصحيفة المذكورة نسخة جديدة وبملايين عدة، تتضمن رسوماً مسيئة للنبي محمد (ص)، في إصرارٍ فج وقبيح ويحمل أكثر من علامة استفهام حول من يقف مجدداً خلف «إشعال الحرائق»، ووضع حكومات الغرب مئات الملايين من شعوبها، في حالة هستيرية تقوم على وهم «الإسلاموفوبيا» من أجل تصدير أزماتها الاقتصادية والاجتماعية للخارج في محاولة مكشوفة لتحويل النضال الداخلي، الطبقي والاجتماعي، نحو عدو خارجي. علماً، أن من قام بالعمليات الإرهابية الأخيرة هم مواطنون فرنسيون.
إن تبني بعض السياسيين وصناع الرأي العام لذلك الوهم في محاولة جعله «واقعاً موضوعياً» يعكس الأفكار العنصرية التي صاغها، صموئيل هانتغتون، قبل عشرين سنة عن «صدام الحضارات»، بما يُنتج ويعمِّم أشكالاً من الصراع الهادئ حيناً والعنيف والدموي في أحيان أخرى من خلال الترويج إلى حالة صراع بين «طرفين» هما «الحضارة الأوروبية- الإسلام». .
إرهابيون في صدارة المشهد
في المسيرة «الدولية» التي دعا إليها قصر «الإليزيه»- والتي شارك فيها أكثر من خمسين من قادة الدول- كتعبير عن «وحدة العالم» في مواجهة الإرهاب، تصدَّر ذلك الكرنفال العالمي، قادة دول وملوك ممالك ورؤساء حكومات، معظمهم يشكِّلون الطغمة المالية المتوحشة التي تنهب الشعوب، وبعضهم أجراء وعبيد يعملون في خدمة تلك الطغمة، وجميعهم يتبادلون أدواراً مختلفة ومتفاوتة، لكنها، تكمل بعضها، في تصنيع أو دعم أو تمويل أو تدريب آلاف الإرهابيين الذي يزرعون الموت والدمار في دول عدة.
وإذا كانت القيم الإنسانية والأخلاق السياسية، تتطلب إعلان الإدانة الشديدة لـ«الإرهاب المسلح» الذي يسفك ويحلل دماء البشر، فإن التنديد بالوجه الآخر «الإرهاب الفكري» الذي يأخذ أشكالاً وتعابير متعددة، من خلال استهدافه المباشر للمعتقدات الدينية والأنبياء، يجب أن يكون بنفس الدرجة التي نددنا بها بمواجهة حملة السلاح من الإرهابيين.
وإذا كان بعض دعاة وحماة حرية التعبير يبررون هذا التمادي الوقح على معتقدات الشعوب، فإن دفاعهم يتساقط عن تلك الحرية عندما تتم الإشارة و التدقيق في «الهولوكوست» أو «الأساطير اليهودية»، لتبدأ جوقات الردح والعنصرية بالصراخ تحت دعاوى مضللة وساقطة باسم «الهجوم على السامية» أي التعرض للتابو المحرَّم نقده «اليهودية الصهيونية».
نتنياهو والمزاحمة على البروز
رغم ما أحاط المشاركة الرسمية لرئيس كيان القتل والمذابح المتواصلة في تلك المسيرة من لغط ومماحكات، خاصة بعد العودة عن عدم المشاركة، حينما تبين أن قتلة آخرين من قادة الغزاة المستعمرين، أفيغدور ليبرمان، ونفتالي تينت، سيشاركان، واندفاعه للتواجد في الصف الأول، متسللاً من الصف الثاني، كما فضحته الصور المنشورة على أكثر من وسيلة إعلام صهيونية.
تحت عنوان: «عار في باريس...لماذا يقفز؟»، يكتب شمعون شيفر المقال الافتتاحي في صحيفة «يديعوت احرونوت»، بتاريخ 13/1/2015: «كنا نتوقع من رئيس الوزراء أن يمثلنا بشرف، لا أن يوقع عليها الخجل. لا يوجد كلمة أخرى. خجلت لرؤية «الزعيم الإسرائيلي» يتدافع نحو الباص أول الزعماء، وبعد ذلك يشق بمرفقه لنفسه مكاناً في الصف الأول من رؤساء الدول، الذين ساروا بصمت بينما كان يلوح بيديه نحو الواقفين على الشرفات على طول الطريق». ثم نقرأ على موقع «المصدر» الصهيوني: «.. نجح نتنياهو بالانزلاق إلى الصف الأول، وبعد عدة دقائق من المسيرة وهو في المُقدمة، ويبتسم للكاميرات، بدأ نتنياهو أيضاً بالتلويح للجماهير التي على جانبي الطريق، وكأنه ملكة إنجلترا بحق، وكأن المسيرة هي موكب نصر، وليس حدث مأساوي مُحترم».
قادة القتلة وبورصة الانتخابات
حرص الثلاثي «نتنياهو وليبرمان وتينت» على توظيف دماء اليهود الأربعة الذين قتلوا في محل لبيع اللحوم، في الحملة الانتخابية القادمة للكنسيت. حرص كل واحد منهم على تهييج مشاعر اليهود من أجل إعادتهم للحالة التي تخدم هجرتهم للمستعمرة الكبيرة. نقطة الضعف في هذه المشاعر، التركيز على «استهدافهم» و«ضعف الدولة في توفير حمايتهم» وتصوير المستعمرة بأنها المكان الآمن لهم.
وقد كان كلام نتنياهو في الكنيس اليهودي في باريس قبل انطلاق المسيرة، واضحاً ومباشراً في التأكيد على دعوة يهود فرنسا للهجرة إلى الكيان، في استفزاز معلن للحكومة الفرنسية من حيث تعامله مع مواطنين فرنسيين على أساس ديانتهم في تناقض صارخ مع «المواطنة».
أما أفيغدور ليبرمان فقد ردَّد موقف نتنياهو، كما نقله موقع «يديعوت احرونوت»: «نحن ندعو اليهود للهجرة إلى «إسرائيل». وصلنا إلى ذروة هجرة يهود فرنسا، ولكن ذلك ليس كافياً. في عام 2014، وصل لـ«إسرائيل» 7000 مهاجر من فرنسا، ولكن ذلك بعيد عن تحقيق القوة الكامنة. مطلوب منا القيام بعدة تسهيلات. على سبيل المثال، في مجال تحويل الأموال والاعتراف بالشهادات. وزارة الاستيعاب تقوم بتركيز جميع الحواجز البيروقراطية». الاستياء من هذه التصريحات لم يكن ما صدر عن الفرنسيين، بل جاء في افتتاحية صحيفة «هآرتس» يوم 13/1/2015: «... دعوة نتنياهو لمواطني فرنسا اليهود الهجرة إلى «إسرائيل» لأن فيها فقط سيجدون أمنهم، أهان الفرنسيين وقيادتهم عن حق. بمعنى أن نتنياهو يقرر بأن لا دولة قادرة على مكافحة الإرهاب مثل «إسرائيل»».