روسيا: العقيدة العسكرية الجديدة.. إعلان حرب أم منعها!

روسيا: العقيدة العسكرية الجديدة.. إعلان حرب أم منعها!

عقيدة عسكرية جديدة تبناها الكرملين، تأخذ بعين الاعتبار حلف «الناتو» كتهديد جدّي للأمن الروسي، وهو ما تصدر إعلان العقيدة الجديدة، بالإضافة إلى الكثير من البنود التي تكتسب أهمية لا تقل عن خطر حلف شمال الأطلسي، فهل هي البداية لحرب باردة جديدة؟

من الممكن أن يكون الحديث عن حرب باردة جديدة صحيحاً من حيث مضمون الصراع بين قطبين عالميين، أحدهما صاعد اقتصادياً وعسكرياً، ممثلاً بروسيا والصين ومن خلفهما دول «بريكس»، في مقابل الولايات المتحدة والغرب كقوى كبرى تقليدية تعاني تناقضاً يتمثل بارتدادات الأزمة الاقتصادية العالمية على اقتصادات الدول الصناعية الكبرى، حيث لم يتجاوز معدل النمو في أوروبا لعام 2014 المنصرم حدود الصفر بالمئة، وبالمقابل فإن اتساع نفوذ القوى العالمية الصاعدة على حساب النفوذ الغربي يكمل ثنائية التناقض المذكورة.
استفزاز يستدعي الرد
يأتي إعلان العقيدة العسكرية الجديدة، بعد استفزاز جديد من الحكومة الانقلابية في كييف، تمثل بإعلان البرلمان الأوكراني عن عزمه الانضمام إلى حلف «الناتو»، تحت عنوان «إنهاء حالة الحياد»، ليتمم ذلك عمليات التدخل الأمريكية والغربية في الشأن الأوكراني بما يهدد أمن الجار الروسي انطلاقاً من خاصرته الأوكرانية.
من الممكن أن تكون هذه الحركات الأطلسية الاستفزازية على الحدود الروسية هي النقطة التي أفاضت الكأس، واستدعت الرد الروسي بهذه الطريقة الواضحة والعلنية. وعلى الرغم من القناعة الضمنية للأوروبيين أن التكامل مع روسيا هو قدر لا راد له، فإن انزلاق حكوماتها لتصعيد استفزازي من هذا النوع، يفسّر في إطار مساعي الولايات المتحدة لتفجير مناطق جديدة في العالم حتى لو على حساب حلفاء الأمس، وبالتالي، فإن تصعيد الرد الروسي بهذا الشكل قد يثير تساؤلات جدية حول مصير حلف «الناتو» نفسه من حيث مصالح الدول المنضوية تحت رايته، فأوروبا المترنحة اقتصادياً والمعتمدة على إمدادات الطاقة الروسية لا تحتمل نقل مستوى التصعيد إلى خطوات عملية مباشرة تمس أكثر فأكثر مصالحها الاقتصادية على وجه التحديد.
الحرب لم تعد تقليدية!
تتضمن العقيدة العسكرية الجديدة 14 خطراً عسكرياً خارجياً، واللافت في الاعتبارات الروسية، هو الاهتمام بقضية نشاطات الأجهزة الاستخبارات الأجنبية المخربة، وخطر الإرهاب الداخلي الذي اعتبر تحدياً في العقيدة الجديدة يستوجب التصدي لكل أشكاله.
وهنا يتضح الاستعداد الروسي لاحتمالات الاختراق وصناعة بؤر التوتر على الحدود وفي الداخل الروسي، فالحرب اليوم تنحو باتجاه بعيد عن الصدام العسكري المباشر غير محسوب النتائج، والذي لم يكن بعيداً عن الحسابات الروسية التي أخذت بعين الاعتبار تأكيد حق روسيا في استخدام السلاح النووي لأغراض دفاعية، والتزام روسيا بموجب هذه العقيدة بتعزيز الدفاعات الصاروخية، وتطوير أنظمة الصواريخ، والغواصات النووية الحاملة لصواريخ بالستية، وقاذفات استراتيجية.
إن النتائج المحققة روسياً في ملفات الشرق الأوسط وأوكرانيا، بالإضافة إلى منظومة العلاقات الاستراتيجية مع تركيا ودول بحر قزوين كمجال حيوي آمن بالنسبة لروسيا، أدى إلى تضييق أكبر في الخيارات الأمريكية الساعية إلى مزيد من بؤر التوتر المنهكة لروسيا وحلفائها، وهو ما يعني مزيداً من الوضوح في ميزان القوى الدولي الناشئ في السنوات الأخيرة، والذي من الممكن في المرحلة المقبلة أن يسرّع حسم اتجاهات دول جديدة، وبالتالي تسريع تشكل الفضاء السياسي على مستوى العالم ككل، مع الإشارة إلى أن إعلان العقيدة العسكرية الروسية بهذه الصياغة ليس شأناً عسكرياً فحسب، بل ستجري ترجمته منطقياً بإجراءات لها طابع سياسي واقتصادي، ستكون الفترة المقبلة كفيلة بإظهار ماهيتها.