فيرغسون: الرأسمالية تمعن في التهميش
لم يكتمل الشهر الرابع على قضية مقتل الشاب، مايكل براون، في فيرغسون، حتى عادت المدينة إلى سابق اشتباكاتها ومظاهراتها. في الظاهر، انتفض السكان ضد الحكم القضائي المجحف الذي برَّأ قاتل براون، أما بعمق المسألة، فيحمل الواقع الاقتصادي الاجتماعي للمدينة أبعاداً أخرى.
أكدت أحداث ولاية ميسوري الأمريكية هشاشة «الديمقراطية الأمريكية»، وكذلك ضعف مناعة «دولة الطبقات» عن الإصابة بحمى الاحتجاجات والاحتقان الشعبي. حيث لا يقل القمع الطبقي الذي مارسته الحكومة الأمريكية، عن ذلك القمع الموجود في أكثر الدكتاتوريات تخلفاً حول العالم.
«من لا يملك شيئاً» في الشوارع
في الحادي عشر من تشرين الثاني، تجددت الاشتباكات في مدينة فيرغسون عقب قرار «هيئة المحلفين العليا» في الولاية بعدم توجيه إتهام إلى ضابط الشرطة المتسبب في مقتل براون صاحب الـ 18 عاماً في آب الفائت. أكثر من خمسة آلاف مدني ملأوا شوارع الولاية بالتظاهرات والاعتصامات المفتوحة، مطالبين بـ «تطبيق العدالة.. على الأمريكيين»، و«وقف ظلم من لا يملك شيئاً» و«محاسبة الظالم أياً كان لونه!». شعاراتً حملها المتظاهرون والمعتصمون داخل الولاية، قبل أن تدخل بكلّْ سكانها في أتون صراع مستمر مع قوات الشرطة الأمريكية.
دخلت الشرطة الأمريكية على خط الاحتجاجات لتحتجز ما يزيد عن خمسين متظاهراً، حيث سرَّبت صحيفة «واشنطن بوست» صوراً تظهر عمليات القمع التي جرت بوحشية ضد المتظاهرين. ليأمر بعدها حاكم الولاية، جاي نيكسون، بإدخال أكثر من 2200 من قوات «الحرس الوطني» لتنتشر في مدينة سانت لويس «لإعادة الأمن». ما أدى إلى ارتفاع المصابين إلى أكثر من 18 مصاباً وما يقارب المئة معتقل، لتتسع الاحتجاجات وتصل إلى ولايات واشنطن ونيويورك ولوس أنجلس وشيكاغو وأوكلاند وكاليفورنيا، ولتتجاوز حدود الولايات المتحدة إلى قنصليات أمريكا في كلٍّ من بريطانيا وإيطاليا.
إحدى أغنى الولايات غارقة بالفقر
لا يزال الإعلام الغربي يسعى إلى قصر احتجاجات فيرغسون على أنها «خلاف عرقي» تعود مسؤوليته إلى المجتمع، أو إلى «خبو عمليات التوعية التي شهدتها أمريكا ضد التمييز العرقي في السابق»، بحسب تحليلات شبكة الـ «سي إن إن» التي لم تجد مهرباً من نشر الخبر، فكان قالب الاقتصار «الخلاف العرقي» قالباً ملائماً.
في الوقت ذاته، تشير احصائيات نشرتها «واشنطن بوست» إلى أن نسبة البطالة في فيرغسون قد ارتفعت بين عامي 2000و 2010 من 5% إلى 13%. فيما يعيش ربع السكان تحت خط الفقر المعتمد أمريكياً. وفضلاً عن ذلك، يعيث التمييز العرقي فساداً في بنية الولاية، حيث من أصل 59% من أصحاب الأصول الإفريقية، فقط 23.7% من المؤهلين للتوظيف قد حصلوا بالفعل على وظائف، و17% منهم خاضعون للشروط القاسية التي يفرضها القطاع الخاص عليهم. ومن أصل النسبة ذاتها، فقط ثلاثة شبان استطاعوا التطوع في شرطة فيرغسون الذي يضم في عداده العشرات من الموظفين.