تفجيرات لبنان واستحقاق تسليح الجيش
لم تهدأ موجة العنف المتقطع التي باتت تطال أجزاءً واسعة من مناطق الشمال والبقاع اللبناني، فعلى وقع استمرار التفجيرات الإرهابية في الشمال، عادت قضية تسليح الجيش اللبناني من خلال مساعدات روسية وإيرانية إلى ساحة النقاش من جديد.
مع توسع نشاط المجموعات التكفيرية في مناطق الشمال اللبناني، يوسع الجيش عمليات المداهمة في مناطق صيدا والبقاع وبيروت والشمال، في محاولة منه للحد من انتشار البؤر المسلحة الآخذة بالظهور. غير أن كل تلك العمليات، لا تزال في إطار القدرات المحدودة للجيش اللبناني. ما يستدعي بالضرورة إيجاد السبل اللازمة للضغط على الفرق السياسية اللبنانية للقبول بالمساعدات الإيرانية الروسية الهادفة إلى تعزيز مواقع الجيش اللبناني في حربه ضد خطر المجموعات المتشددة المدعومة أمريكياً.
أمن لبنان رهن التجاذبات السياسية
كعادتها في إخضاع جميع الاستحقاقات السياسية إلى متطلبات الصراع الداخلي، تساهم بنية التحاصص الطائفي التي رسخها اتفاق الطائف، في تأجيل البت بقضية كقضية تسليح الجيش اللبناني رغم كل ما تحمله من مخاطر واحتمالات تمدد أكبر لقوى «داعش» و«النصرة». حيث تعمل قوى الرابع عشر من آذار على تطيير ملف المساعدة الإيرانية المطروحة، تحت حجة الحفاظ على حيادية المؤسسة العسكرية اللبنانية واستقلال قرارها و توخي الإبقاء على سياسة النأي بالنفس التي أثبتت فشلها خلال العامين المنصرمين.
في حقيقة الأمر، تندرج أسباب قوى الرابع عشر من آذار لرفض المساعدة الإيرانية الروسية، بسعيها لمنع استثمار تسليح الجيش إيرانياً أو روسياً بما يخدم مصالح خصمها السياسي الداخلي. وتعكس هذه الطريقة بمحاكمة الملفات ذات الحساسية العالية عقلية الإهمال واللامبالاة التي تبديها القوى السياسية اللبنانية (14/8) إزاء المخاطر المحدقة بلبنان، بمقابل حفاظها على مصالحها السياسية والحزبية الضيقة وولاءاتها الإقليمية المستمرة.
القديم مأزوم والجديد غير واضح المعالم
إن أسباب التعنت الذي تبديه القوى السياسية في لبنان ناتج عن بنيتها التابعة إلى عدة قوى إقليمية، هذه التبعية التي وصلت إلى حدٍ بات فيه الجيش اللبناني عاجزاً عن تلقي المساعدات الكفيلة بصموده أمام الإرهاب. وعليه، لا يمكن تصور بديل عن أحد سيناريوهين، إما أن ترتقي القوى السياسية بمحاكمتها للاستحقاقات الطارئة، أو الإبقاء على حالة الإذعان الإقليمي، وفتح لبنان على احتمالات تفجير واسعة، ما سيحمل بطياته ضرورة ضرب نواة التحاصص الطائفي عبر تكاتف جميع الوطنيين اللبنانيين المدفوعين برغبة إطفاء الحريق الآتي.
حتى الآن، يشكل الجيش اللبناني إحدى أهم المؤسسات التي حافظت، نتيجة لأسباب وظروف عديدة، على دورها كقوة فوق الانقسامات الثانوية، على الرغم من جميع المحاولات المستمرة حتى اليوم إلى مذهبتها وتطييفها. وهو ما يرفع من دور الجيش في المعارك التي يشهدها اليوم، وما يزيد أيضاً من ضرورة دعم الجيش وفتح أبواب تطويره، من دون إدخاله في دوامة الصراع السياسي الداخلي.