في غزة والقاهرة.. حدثان في سياق واحد
مرَّت على القطاع الصامد، والمنكوب بفعل نتائج العدوان الوحشي، خمسون يوماً على المذبحة التي استمرت أيضاً لخمسين يوماً- هل هي مصادفة؟- تحت نظر المجتمع الدولي، الذي عملت بعض دوله على تشكيل مظلة دعم وحماية للجرائم الصهيونية، بل، إن الولايات المتحدة الأمريكية فتحت مخ في عدوانه من أجل أن يستمر في المجزرة. النظام العربي الرسمي،
حرص على التشابه والتماثل مع المركز الغربي «أوربا وأمريكا الشمالية» في نظرته ومتابعته للعدوان. هكذا هي وظيفة الأطراف/التوابع مع المركز.
الوزراء في زيارة خاطفة
عاش شعبنا في القطاع عدة ساعات على وقع زيارة «علم وخبر» التي قام بها رئيس الوزراء، رامي الحمد الله، والطاقم الوزاري لحكومة الوفاق إلى غزة. عدة ساعات مع مبيت ليلة واحدة، لم تكن تهدف لمعالجة وحل الملفات الكثيرة، المعلقة والمعقدة، بل للإعلان عن تواجد «سلطة رام الله»، نهجاً سياسياً واقتصادياً، والأهم، أمنياً. حيث أعلن عن وصول ماجد فرج، مسؤول المخابرات الممسك بأهم الملفات، والمقرب جداً من رئيس السلطة، واجتماعه بعدد من ضباط الجهاز الأمني السابق.
بالرغم من ترحيب الفصائل والقوى الفلسطينية المجتمعية بالزيارة، التي يأملون بأن تكون خطوة كبيرة على طريق إنهاء الانقسام، فإن ما رشح من داخل «فتح» و«حماس» لايشير إلى وحدة موقف، بل إلى تباينات واضحة داخل كل تنظيم في التعامل مع الزيارة ونتائجها. ولا بد من الإشارة هنا، إلى تحريك المنحة المالية من قطر إلى غزة عبر نيويورك، لصرفها للموظفين، وهي جزء بسيط من الرواتب المستحقة.
عودة التراشق ...بالكلمات
ساعات الفرح المشوب بالقلق والخوف من أية انتكاسات، تلاشت مع عودة المواقف الإعلامية المتشنجة بين الحركتين. فالخلاف على استلام وإدارة المعابر التي تربط القطاع بالوطن المحتل عام 1948(بيت حانون، كرم أبو سالم، الشجاعية، العودة، المنطار، والقرّارة) ومعبر رفح، الواقع تحت إشراف وإدارة السلطات المصرية، برزت مع غيرها من القضايا.
مسؤولون في سلطة رام الله أكدوا أن إدارتها ستكون في غضون أسبوع بيد عناصر السلطة، لكن قيادات في «حماس» نفت علمها بذلك. المتحدث باسم الحركة، فوزي برهوم، أشار باستغراب لطريقة التعامل مع قضية تسليم وتسلّم المعابر في غزة: «كأن الأمر يجري بين دولتين أو تسلّم من عدو، وخاصة أنه يصدر من أعلى مستوى في الحكومة المؤقتة»، مضيفاً: «هناك فرق كبير بين الاستلام بالإقصاء والإحلال، وبين الإدارة بالخبرة والشراكة، وعلى من يتحدثون عن الإقصاء أن يناموا ويستغرقوا في النوم، لأن أحلامهم ستطول ونومهم كالكوابيس».
لكن الموقف الأكثر حدة كان في رد أحد قادة حماس في غزة، صلاح البردويل، على ماتحدث به رئيس السلطة في القاهرة مع صحافيين مصريين بعد انتهاء مؤتمر إعادة الإعمار. قال عباس في اللقاء الصحفي: «لن تحصل مصالحة حقيقية مع حماس، إلّا بعد إجراء الانتخابات»، مشدداً في كلامه: «لا يوجد مستقبل في بلد أكثر من نصفه مليشيات، وأن هذا الوضع لن يتغير إلا بالانتخابات». استنكر البردويل بشدة كلام عباس، قائلاً: «هذه التصريحات تدل على عدم جدية عباس في المصالحة، وهي نسف لكل ما تم الاتفاق عليه، وتسميم لأجواء المصالحة والعلاقات الداخلية التي تجاوزنا قدراً كبيراً من حل الأزمة الداخلية فيها». مؤكداً استغرابه من توقيت هذه التصريحات: «إنها دليل على أن الرجل مغيب، أو أنه يحاول تسويق نفسه بطريقة مزعجة جداً». أما كلام عباس عن الميليشيات فقد رأى فيه البردويل- كما كل الحريصين على المقاومة- «إهانة لأبطال المقاومة» لأن وصف المقاومة بهذه الأوصاف المبتذلة والرخيصة، عيب كبير مؤكداً على أن «تصريحات عباس لاتخدم إلاّ الاحتلال»
كرنفال القاهرة الدولي
أما المؤتمر الدولي لإعادة إعمار غزة، والذي دعت إليه وأشرفت عليه بشكل أساسي النرويج ومصر فقد استطاع حشد 55 دولة والعديد من المنظمات الدولية، المالية والإنسانية، مع استبعاد حكومة العدو من المشاركة. وبغض النظر عن المبالغ التي تبرع بها المشاركون «5,4 مليار دولار» والتي سيذهب نصفها للبدء بعمليات نقل الأنقاض، ومن ثم الانتقال لتجهيز البنى التحتية وصولاً للمساكن، والنصف الثاني سيتم إنفاقه على مدى عدة سنوات في مشاريع التنمية والتطوير في الضفة والقطاع، فإن قيمة المبلغ الذي توصل له المجتمعون فاقت توقعات السلطة وبعض الهيئات الدولية.
لكن المخاوف المشروعة لدى المواطنين في القطاع والضفة، وفي أوساط الشعب الفلسطيني في كل مكان، من أن يكون المبلغ المقرر هو «حبر على ورق» كما كان حال المبلغ المرصود في مؤتمر شرم الشيخ الذي شاركت فيه 71 دولة، وعدة منظمات إقليمية ودولية في آذار/مارس 2009 عقب العدوان العسكري الإجرامي الذي حمل اسم «الرصاص المصبوب».
إن أبناء شعبنا وأمتنا يتذكرون بمرارة وألم كل الوعود «الخلبية» التي وعدت أهل القدس المحتلة وحماة الأماكن الدينية بالدعم المالي المليوني، الذي تبخر مع انفضاض المؤتمرين في أكثر من عاصمة عربية. لكن اللافت للنظر كان في حرص رئيس السلطة على أن الحكومة الفلسطينية ستكون هي المسؤولة عن إعادة إعمار قطاع غزة «وليس لأي فصيل أو حزب الحق في استلام هذه الأموال». مضيفاً أن: «الحكومة ستستلم مواد الإعمار من خلال الأمم المتحدة، ومن ثم تسلمها إلى الجهات المعنية التي ستشرف على عملية البناء حتى تكون هناك شفافية واضحة، لأن المجتمع الدولي والدول المانحة يثقون ثقة كبيرة في أداء السلطة الوطنية الفلسطينية».
وللمفارقة، فقبل عام من الآن 14/ 10/2013، نشرت صحيفة الـ«تايمز» اللندنية بأن 2 مليار يورو تم تحويلها للسلطة الفلسطينية، كمساعدات تم إهدارها ولا يعرف كيف تم الاستيلاء على هذا المبلغ. ونشرت الصحيفة الإنجليزية وثيقة مسربة تظهر فيه أن السلطة الوطنية الفلسطينية متورطة في إهدار المبلغ. وقالت إن السبب هو «الفساد، سوء الإدارة، وغياب الرقابة المالية على المساعدات المالية التي تستلمها السلطة». إن ما نشر عن الفساد داخل مؤسسات سلطة الحكم الإداري الذاتي، يمكن العودة إليه من خلال قراءة تقرير «هيئة الرقابة العامة» الفلسطينية ومتابعة ملفات الفساد ورموزه على مدى أكثر من عقدين من السنوات.
الخلاصة
لم يكن المؤتمر مخصصاً لبحث آليات الإعمار، بل كان الهدف الرئيسي له، الحفاظ على التهدئة- لأن البدء بوصول المعدات والخبراء يتطلب التهدئة- وأمن الكيان الغاصب، والدفع نحو إعادة مهزلة المفاوضات بصيغ جديدة بدأ يعمل على تسويقها وزير الخارجية الأمريكي. في خطاب كل متحدث، كان لتلك الأهداف، حيز كبير في كلماته. ومتابعة متأنية لما تحدث به كل من كيري والسيسي وعباس وبان كي مون وبورغ برينده، وزير خارجية النرويج، تكشف عن الأهداف الفعلية لهذا الكرنفال الدولي. وإذا كان لأحلام الغزيين فرصة للتحقق بإعادة إعمار بيوتهم ومدارسهم ومشافيهم ومحطات الكهرباء والمياه، فإن أولى الخطوات الجادة لتنفيذ ذلك، ستكون بالتنفيذ الفوري لإنهاء الحصار الظالم، وتأمين حرية التنقل للمواطنين.
إن تجارب الصراع المستمرة مع الغزاة الصهاينة تتطلب الاستعداد الدائم لمواجهة اعتداءاتهم التي لم ولن تتوقف، والتمسك بسلاح المقاومة، وإبقاء اليد على الزناد، مع الحرص على تأمين الحياة الكريمة والمسكن الملائم للمواطنين الذين شكلوا مظلة الحماية لأبنائهم المقاومين.
ازن صواريخها وقنابلها الاستراتيجية الموجودة داخل الكيان، للتعويض عما فقده جيش الغزاة