أمريكا تؤمِّن الأجواء لصنيعتها «داعش»!
يقوم التحالف الإمبريالي بوظيفته الحقيقية خير قيام. لم تفض الـ1700 غارة جوية، المعلن عنها رسمياً فقط، على «داعش» سوى إلى حمايتها وتوفير الغطاء الجوي اللازم لكي تزحف من مدينة إلى أخرى في العراق وسورية، وصولاً إلى تحقيق الرسمة الجديدة في المنطقة.
ها هي الأداة الأمريكية تحتل «هيت» و«كبيسة» غرب العراق وتتقدم نحو كوباني الصامدة شمال سورية، وسط تمنيات القوى التقسيمية بقواتٍ برية أمريكية على الأرض. وبعد أن أتحفنا أوباما بتصريحه الشهير أن «الحرب على داعش» قد تحتاج إلى ثلاث سنوات، وجعلها سعود الفيصل عشراً، يأتي ليون بانيتا، وزير الدفاع الأمريكي السابق ليجعلها 30 سنة، فهل نحن في مزاد أم صراع؟!
الجواب، قطعاُ، إنها الحرب الإمبريالية الأمريكية، الممتدة بلا حدود زمنية أو جغرافية، وهي ليست حرب صدام الحضارات كما روج صموئيل هنتنغتون، أو حرب «نهاية التاريخ» كما مهدت لها نظرية فوكوياما، وإنما حرب الإمبريالية الأمريكية المتهاوية نحو السقوط كقوة عظمى عدوانية. وهي حرب ليس كما يشيع لها الأذناب (طائفية أو عرقية)، بل هي حرب رأس المال العالمي على فقراء العالم، الذين هبوا في انتفاضاتٍ شعبية جبارة بهدف الوصول إلى إقامة الأنظمة الوطنية الديمقراطية القادرة على ضمان الاستقلال الوطني وتحقيق التنمية المستدامة، وصولاً إلى نقل المجتمعات العربية من حياة العوز والمرض والتخلف والظلم إلى الحياة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.
إذا كان ثمة أسئلة تثار اليوم عن سر نشأة «داعش» وصعودها السريع الخاطف، واحتلالها مساحاتٍ واسعة من العراق وسورية، وسيطرتها على كتلة سكانية تتعدى الثمانية ملايين مواطن، فإن آلية التحرك الأمريكي تجيب بكل وضوح على هذه الأسئلة. فـ«داعش» واحدة من جيوش المرتزقة المهيأة لخوض المعارك كقطعان وحشية فاشية ضد الشعوب التواقة للتحرر من أغلال رأس المال. وهي تشكِّل اليوم، كما شكَّل تنظيم «القاعدة» الإرهابي بالأمس، رأس حربة الجيش الأمريكي لمواجهة الجيوش الجماهيرية المليونية العربية التي نزلت إلى ساحات وميادين وشوارع المدن من أجل الحرية والعدالة والتقدم.
كما تلعب تركيا النظام الإسلاموي دور الذراع الضارب لحلف الأطلسي العدواني، لكسر إرادة شعوب المنطقة وحرف الصراع ضد الإمبريالية والأنظمة التابعة نحو صراعاتٍ ثانوية طائفية وعشائرية وقومية.. إلخ. وهي التي قدمت المعسكرات وجميع التسهيلات المطلوبة، وبإشراف خبراء صهاينة، لتمكين قطعان «داعش» الفاشية من السيطرة على حوض نهر الفرات وسدود ومحطات توليد الطاقة ومنشآت توزيع المياه والثروة المائية وحقول النفط العراقية والسورية.
مع كل هذا، لم يخرج أداء الطبقة الحاكمة الفاسدة في العراق عن سكة الأسياد الأمريكان، ومارست وسائل الإعلام العراقية أكبر حملة لتزييف المفاهيم والتسميات والمصطلحات السياسية، وطبَّل على وقع هذه الحملة عتاة الخونة والجواسيس خَدَم المخابرات الأمريكية، ولم يتخلف عن الاشتراك فيها، بل في جميع الحملات منذ الاجتياح الأمريكي الهمجي للعراق في 9 نيسان 2003 حتى يومنا هذا، صغار الانتهازيين والنفعيين، وخُدع بها الجهلة والساذجون.
فالاحتلال الأمريكي سُمي زوراً «تحريراً» ثم «تغييراً». ورغم الاحتلال الداعشي للمدن العراقية، وانهيار الفرق العسكرية واستباحة حلف «الناتو» لسماء وأرض العراق، فقد تحولت عملية تبديل وجوه العملية السياسية الفاسدة بين ليلة وضحاها إلى «تغيير وطني»، تروِّج له فضائيات وصحف بعضها تدعي الوطنية والتقدمية، ولم يتخلف أبواق الأعمدة المدفوعة الثمن دولارياً عن المشاركة اليومية في حملة التضليل والتزييف هذه.
وإذا بكامل المعركة الوطنية بين الشعب العراقي المضطهد ضد الغازي ونظام المحاصصة الفاسد وميليشياته الإجرامية وفلول النظام السابق والإرهاب القاعدي والداعشي الصهيوني، تُصور إعلامياً بأنها معركة «تنحية» نوري المالكي والمجيء بحيدر العبادي، لتصبح معركة «التغيير» المزيفة التي طبَّلت لها الفضائيات الأجيرة والصحف الصفراء والأبواق الإعلامية المرتزقة.. هي استبدال شخص بشخص آخر من نفس الحزب الديني «الدعوة»، وللحفاظ على بنية النظام الطبقية الاستغلالية الفاسدة، وبنيته المحاصصاتية المقيتة الممزِّقة للنسيج الاجتماعي الوطني العراقي، وتبعيته المطلقة والمعلنة للغازي الإمبريالي الأمريكي.
*منسق التيار اليساري العراقي