الغازي الأمريكي يعود «منقذاً»؟
يعتمد نظام 9 نيسان 2003، الدستور المؤقت لصاحبه بريمير، الحاكم الأمريكي للعراق، الذي أطلق عليه تسمية «قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية لعام 2004»، كأساس للدستور الراهن الذي وضع مسودته الأولى الصهيوني الأمريكي، نوح فيلتمان.
على أساسه، تم تشريع الدستور الدائم، والاستفتاء المتسرع والشكلي عليه في 15 تشرين الأول 2005، وإجراء انتخابات 15 كانون الأول 2005 بناءً عليه. الدستور المُلغم بـ 55 مادة مُختلف عليها، تُركت على أن يحسم أمرها بتشريع قوانين خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر، وبذلك تمكنت الإمبريالية الأمريكية، وعقلها الصهيوني التنفيذي، من إخضاع حكومات نظام 9 نيسان 2003 الخمس المتعاقبة إلى آلية المحاصصة الطائفية الإثنية المنتجة للأزمات الاقتصادية- الاجتماعية والسياسية، المترجمة على أرض الواقع، دماً وفساداً ونهباً، وتفريطاً بالأرض والارتهان لإرادة الإدارة الأمريكية.
اليوم، يشهد العراق محصلة نظام 9 نيسان 2003 الكارثية على الصعيد الوطني، من انقسام مجتمعي وفساد شامل واحتلال داعش الصهيونية لثلث الأراضي العراقية، وتعريض العراق لخطر التقسيم، ولا تزال القوى الحاكمة تتاجر بالاحتكام إلى دستور فيلتمان الصهيوني في حل خلافاتها على محاصصة الحكم والثروات.
أما الحلول المطروحة، فهي بمثابة عود على بدء، الاستنجاد بالغازي الأمريكي لإنقاذ أذنابه في بغداد من السقوط، غزو جوي وبحري وبري جديد، قوات أمريكية خاصة لحماية المنطقة الخضراء ومطار بغداد وغيرهما من المراكز الحساسة، تشكيل حكومة محاصصة تابعة مرتهنة لما يسمى بـ «اتفاق المصالح الاستراتيجي»، التعويل على المليشيات الطائفية- الإثنية في سد الفراغ الذي تركه «جيش التطوع بالتسعيرة» المنهار في وجه بضعة آلاف داعشية، محتضنة من قبل ضباط الجيش السابق المنحل على يد الأمريكي بريمير.
بالمقابل، على صعيد البرنامج الوطني التحرري البديل، ما زلنا نشهد طروحات تتراوح بين الجهل المعرفي كالترويج لليبرالية، او الاستسلام للنهج الإصلاحي الانتهازي المروِّج لإمكانية إصلاح نظام 9 نيسان 2003 الفاقد للشرعية الوطنية، عبر تبرير استمرار التعاون مع الغازي الأمريكي والاحتكام إليه في حل الخلافات التي تعصف بالقوى الطائفية- الإثنية الفاسدة، واعتماد الدستور التفتيتي القائم على أساس ما يسمى بـ «المكونات» المتعارض مع القواعد القانونية الأساسية للدستور الوطني الديمقراطي، ويفتقد أصحاب هذه الأطروحات التي تجمع بين الجهل المعرفي والانتهازية السياسية، الحس الوطني العراقي ناهيكم عن الطبقي الثوري.
الأمر المؤكد الوحيد، هو شق التيار الوطني التحرري طريقه في المجتمع، التيار الذي يعي بأنه لا ديمقراطية دون وطنية، ولا وطنية دون موقف تحرري متصد للغازي «المحرِّر» بالأمس «المنقذ» اليوم، ولا خلاص من «داعش» الأمريكية والفواحش المليشياوية الطائفية الإثنية الموازية لها، إلا بالخلاص من نظام 9 نيسان 2003 التابع الفاسد.
إن معركتنا طويلة ومعقدة، مما يتطلب أولاً وقبل كل شيء آخر، وعي الآليات التي يجب أن نعمل بها كيسار عراقي في الواقع العراقي الراهن الموصوف أعلاه، الذي تتداخل فيه المهمات الطبقية والوطنية، ومتطلبات التمييز بين ما هو تكتيكي واستراتيجي، والكيفية التي نعبئ بها الجماهير الكادحة عبر الممارسة الاحتجاجية الواعية والمتدرجة من المطالب المعيشية اليومية إلى المطالب الوطنية التحررية، والانتقال من التنظير إلى الفعل المنظَّم على الأرض.
إن كل ذلك يستلزم قيادات وكوادر واعية صاحبة إرادة كفاحية لا تتزعزع، يمكنها قيادة اليسار العراقي المؤهل لإقامة أوسع تحالف وطني تحرري في جبهة وطنية ديمقراطية، تنقل حالة الشعب العراقي من الاحتجاج السلبي إلى خيار الانتفاضة الشعبية لإسقاط نظام المحاصصة الفاسد، وتتصدى للغازي الإمبريالي وداعشه الهمجي ومليشيات الفواحش الطائفية الإثنية الهمجية .
*منسق التيار اليساري الوطني العراقي