إفريقيا تقاوم الغرب من جديد! (2/2)

إفريقيا تقاوم الغرب من جديد! (2/2)

بدأت مرحلة جديدة بإفريقيا مع نهاية الحرب العالمية الثانية، فنالت مصر واستكملت تحررها عام 1952 بثورة يوليو بقيادة الضباط الأحرار وجمال عبد الناصر الذين أعلنوا بدء مشروع التحرر والنهضة الجديدة باستقلال إفريقيا وتوحيدها وإعمارها وإنمائها.

وبالفعل بعد سنتين بدأت الثورة الجزائرية وبدعم مصري كامل لها ولكل حركات التحرر الإفريقية، وكان الدعم المصري الكبير للجزائر التي قدمت أكثر من مليون شهيد سبباً رئيسياً في الاستقلال، وحتى العام 1964 استقلت إفريقيا بشكل نهائي عن الاستعمار. وبكل تأكيد لاشك أن التحرر في إفريقيا هو جزء من التحرر العالمي الذي دعمه الاتحاد السوفييتي المدافع الحقيقي عن حق الشعوب بتقرير مصيرها. 

كان النموذج الثاني للمقاومة الإفريقية هو جمهورية جنوب إفريقيا، أي مقاومة "الاستعمار الاستيطاني". فبعد انتخاب "الحزب الوطني البويري" للحكم "حزب البيض" في عام 1948 والذي أخذ بتطبيق سياسة التفرقة العنصرية بشكل رسمي، حيث لم يكن مسموحاً للسود بالعمل إلا في أعمال محددة ومُنعوا من حق الانتخاب وحق الملكية إضافة إلى انعدام المساواة بينهم وبين البيض في تقاضي الأجور وعزلهم في المساكن وأماكن العمل والمدارس. كان ذلك متبعاً أيضاً في أربع مستعمرات أخرى هي موزامبيق وزيمبابوي وانغولا وغانابيساو.

شكلت المقاومة التي أعلنها "المؤتمر الإفريقي العام" بقيادة المناضل نيلسون منديلا طرحاً للتحرر الوطني من الاستعمار، فصعدت المقاومة في جنوب افريقيا في عام 1960، حيث تم الإعلان عن  تأسيس الجناح المسلح للمؤتمر الوطني الإفريقي، وكان هدفه الرئيس مهاجمة رموز الاضطهاد. كانت المقاومة المسلحة الركيزة الثانية للكفاح التحرري للمؤتمر الوطني الأفريقي. وبالنهاية استطاعت جنوب إفريقيا الانتصار على سياسة التمييز العنصري وعلى الاستعمار نتيجة نضالاتها الكبيرة وحتى العام 1994 كانت كل المستعمرات وسياسات التميز العنصري قد انتهت. 

التأميم استكمالاً للسيادة 

منذ الخمسينيات ومع استقلال مصر سعت الدول الإفريقية للاستقلال الاقتصادي مستخدمة  "التأميم" كوسيلة للتمويل. وبالفعل خاضت مصر معركة تأميم قناة السويس كأول عملية بإفريقيا بعدها سارت كل القارة على خطا مصر، فحسب دراسة أجرتها الأمم المتحدة عام 1974 كان عدد التأميمات في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء بين (1960- 1974) أكبر من كل المناطق، فمن أصل 875 حالة تأميم في 62 بلداً في العالم سجلت إفريقيا في تلك المرحلة 340 حالة أي 39% من حالات التأميم.

أجرت الجزائر أيضاً حركة تأميم للمشاريع الفرنسية والغربية وشهدت تلك الفترة أكبر تعاون مصري-جزائري بتاريخ البلدين نتيجة الصعود المشترك والهدف الواحد وكانت علاقات التعاون الإفريقية في عزها في تلك المرحلة. أما في جنوب إفريقيا فمع نهاية حكم التمييز العنصري تم مساومة مانديلا ورفاقه الماركسيين من أمثال "مبيكي" و"هاري جولا" على الاشتراكية، فكانت إزالة نظام التمييز العنصري عام 1994 المدعوم من الغرب على حساب إيقاف مشروع "المؤتمر الإفريقي" الذي كان يخطط لتأميم القطاعات الاقتصادية في جنوب إفريقيا وجاء ذلك بكل تأكيد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك المنظومة الاشتراكية. 

التراجع العام للحركة في إفريقيا 

بعد وصول السادات للحكم وتوقيعه لاتفاقية الاستسلام مع الكيان الصهيوني ونتيجة لتراجع الحركة الشعبية العالمية تم التراجع عن معظم المكتسبات المتحققة والانتقال مثل مصر إلى نظام السوق الحر والليبرالية الاقتصادية، ودخلت إفريقيا من بعدها في سلسلة حروب أهلية هددت القارة، ومنها الحرب الأهلية الأنغولية والحرب الأهلية الأثيوبية عام 1974، الإيرتيرية وحرب الصحراء الغربية 1975، والحرب الأهلية الليبيرية 1990، الموزمبيقية 1977، الأثيوبية 1998.

وجاءت حركة "توماس سنكارا" الضابط الشيوعي في "بوركينا فاسو" الذي قام بالاستيلاء على السلطة عام 1983 محاولة هامة لإيجاد نموذج مناهض للإمبريالية الغربية في إفريقيا، وعلى إثره تم تعيين سنكارا رئيساً للبلاد وسرعان ما بدأت الثورة الشعبية الديموقراطية بقيادته وهو واضع أركانها، ومن أهمها: مناهضة الإمبريالية، مكافحة الفساد والمجاعة وجعل الأولوية لقطاعي الصحة والتعليم. وجاءت نهاية سنكارا في عام 1987 بعد أربعة أعوام من وصوله إلى السلطة، حيث دعمت فرنسا إنقلاباً مضاداً، وهكذا استمرت الحالة الإفريقية بالتراجع. 

تحركات استراتيجية في القارة

في عام 2008 انضمت جنوب إفريقيا لمنظمة رائدة سميت "البريكس" وضمت دولاً ذات نمو عالٍ ومن ضمن أولويات هذه المنظمة مواجهة المخاطر الناتجة عن ضعف التمويل بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية وفتح مجال اقتصادي جديد لكسر الاحتكار الغربي الأمريكي الاستعماري للتمويل وللأموال، أي أن جنوب إفريقيا إنحازت بشكل مباشر ونتيجة مقاومتها التاريخية للاستعمار وسياساته لمشروع كبير مع روسيا والصين والبرازيل والهند مناهض لهيمنة المراكز الغربية.

مصر كذلك، فبعد ثورتين هامتين والإطاحة بالإخوان قام السيسي بثلاث زيارات استراتيجية إلى روسيا والجزائر وغينيا حيث شارك في القمة الإفريقية، معلناً بدء تحول هام على صعيد العلاقات المصرية الدولية. كما زار الرئيس المصري الجزائر وفتح صفحة جديدة، واضعاً خطوطاً استراتيجية لمواجهة التحديات الأمنية التي صنعها الغرب في القارة الإفريقية تحديداً بعد غزو ليبيا ومالي. كما زار روسيا ولم يزر أي دولة غربية معلناً تبنيه لمشروع الحل السياسي الذي رفضه الغرب. أما الجزائر الدولة الإفريقية التي تملك للآن أفضل العلاقات مع الصين وروسيا حيث تتمتع المشاريع الصينية الروسية في كل القطاعات بأفضلية استثمارية، ظلت مستنفرة ضد المشاريع الغربية- الفرنسية في مالي وليبيا وضد تجييش القوى التكفيرية للقتال في سورية الذي مارسه الغرب. 

إن المتابع لسير التطور التاريخي في إفريقيا يلاحظ أن نهوض مثلث مصر- الجزائر- جنوب إفريقيا هو مقياس ودال على صعود القارة كلها كجزء من عملية الصعود العام بالحركة الشعبية العالمية، وما يحدث الآن من تغير في العلاقات الدولية لمصر وجنوب إفريقيا والجزائر معيار كبير ذو أهمية قصوى لدراسة إمكانية النهوض في إفريقيا.