التحديات المصرية الراهنة: الفساد والاقتصاد
يشكل الاقتصاد المحرك الأساسي لجميع التحولات السياسية في نهاية المطاف، وكلما اتسعت حدة الفارق الطبقي في المجتمعات أدى ذلك إلى التغيير أياً كان شكله. لم تخرج مصر عن هذه القاعدة، حيث شهدت منذ ثلاثة عقود تردياً في الواقع الاقتصادي والاجتماعي بات الآن يهدد حوالي 40% من السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر بالبقاء.
شهدت مصر تدهوراً اقتصادياً كبيراً في السنوات الأخيرة أيضاً، حيث ارتفعت معدلات البطالة والفقر، وتدهورت قطاعات الطاقة والإسكان والمياه والمواصلات، بالإضافة إلى خسارة 40 مليار جنيه سنوياً (5,8 مليار دولار) بسبب الفساد وهو ما يعادل الإنفاق الحكومي على الصحة مرة ونصف البالغ 27 مليار جنيه في عام 2012، وتدني نمو الناتج المحلي وارتفاع العجز في الموازنة العامة، حيث بلغ حجمه 14% من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع الدين العام بشكل مهول ليصل إلى (1527 مليار جينيه مصري) وهو ما يعادل 95% من الناتج المحلي الإجمالي ويشير إلى تعقد خطير في الوضع الاقتصادي.
الدولة وكبار رجال الأعمال
كما بلغت الخسائر في البورصة المصرية في 1 حزيران 2014، نحو 16 مليار جنيه أي حوالي (2,2 مليار دولار) وذلك في يوم واحد، وكان ذلك رداً من حيتان المال على قرار الحكومة فرض ضريبة على “الأرباح الرأسمالية» بمقدار 8-10% سنوياً، وذلك تماشياً مع ما أورده الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي في حملته الانتخابية عن صندوق مصري للاستثمار يهدف إلى جمع 100 مليار جنيه من رجال الأعمال والمستثمرين سنوياً، بما يسمح بإعادة هيكلة الاقتصاد المصري وتنميته.
بقيت الملفات الاقتصادية في مصر هي الأعقد خلال فترات الحكومات الانتقالية وخلال حكم الإخوان، وقد تعمقت الأزمة الاقتصادية منذ سقوط مبارك وبعد سقوط مرسي بسبب التوتر الأمني الذي شهدته البلاد، إلا أن بقاء المعضلات الاقتصادية يرجع بشكل أساسي إلى الفساد المتجذر في بنية النظام المصري قبل ثورة يناير 2011 واستمراره حتى الآن، حيث يسيطر رجال الأعمال والمستثمرون على أجهزة الدولة المصرية وبشكل أساسي في مواقع اتخاذ القرارات الاقتصادية.
إقصاء القطاع العام
إن بقاء القوانين والأنظمة الاقتصادية التي تحد من دور الدولة في التنمية هو العامل الحاسم في التطور الاقتصادي المصري، حيث يُغيب قطاع الأعمال العام بالدولة، فإبان ثورة يناير لم يتم تسمية وزارة قطاع الأعمال العام بالدولة والتي كانت موجودة أصلاً، بل تم إلحاقها بنائب رئيس مجلس الوزراء، ويجري الحديث عن دمجها في الأيام المقبلة مع وزارة الاستثمار، رغم أن هذه الوزارة تضم تسع شركات قابضة و146 شركة تابعة ويعمل فيها نحو 500 ألف عامل بالإضافة إلى أضعاف هذا الرقم من العمال التابعين لهذه الشركات.
يبدو أن حل القضايا الاقتصادية مرهون بجملة قرارات حاسمة وجريئة ويتطلب من الرئيس الجديد خارطة تحالفات جديدة تنقذ البلاد من الأزمات والاحتجاجات.