الوضع في ليبيا.. أبعد من حفتر
يبدو ما يحدث في ليبيا الآن، وكأنه ينطلق من إعلان حفتر تطهير ليبيا من الإرهاب والتكفير، غير أنه لا يمكن لحدثٍ ما أن يكون ابن أوانه، فكل الأحداث لها بعدها التاريخي. والبحث في الملف الليبي سيبدأ من نقطة انعطاف أكثر دقة من لحظة الإعلان عن حفتر وإعلانه.
في خريطة التحالفات والعشائر الليبية، زيدان مدعوم من عشيرة «ورقلة» أكبر العشائر الليبية، والتي يمثلها السياسي محمود جبريل، الذي استطاع «الإخوان المسلمون» إزاحته عن المشهد السياسي الليبي، من خلال قانون العزل السياسي.
حول ناقلة النفط وإقالة زيدان
تمتد قبيلة ورقلة في الشرق الليبي، ضمن ما يسمى إقليم برقة وبنغازي، ورغم أن هذه العشيرة ذات نسبة تمثيل عالية، (نصف المجلس)، إلا أن «الإخوان» يسيطرون على المجلس، مستندين إلى قواتهم المسلحة المعروفة باسم «غرفة عمليات ثوار ليبيا»، لكنها تدعم الحكومة برئاسة زيدان سابقاً.
وصل الخلاف بين «الإخوان» وبين جبريل والتحالف الوطني ذروته في قضية ناقلة النفط الكورية الشمالية، حيث أن زيدان بفشله في السيطرة على عائدات الناقلة، التي استحوذ عليها إبراهيم الجضران، قائد «حرس أبار النفط» الذي يدعو للاستقلال ببرقة، أشعل الخلاف بينه وبين «المجلس الوطني الليبي»، فتم إقصاء زيدان بالقوة. ويبدو أن ما فعله زيدان كان بمثابة ضربة كبيرة تلقاها «الإخوان»، عبر إظهارهم بمظهر ضعيف غير قادر على السيطرة، وتشكيل حكومة من ممثلي «الإخوان» فقط.
اليوم، وبالنظر لخريطة التحالفات الليبية، يمكن فهم ما يحدث أكثر، حيث يعلن حفتر «هجمة على الإخوان»، تسانده قوات «الصاعقة» و«القعقاع»، وهما محسوبتان على جبريل، رغم نفي الأخير. ويدعمه جبريل رسمياً، عبر بيان نشرته جريدة «الوسط» الليبية التابعة لإبراهيم الجضران، يعلن خلاله تأييده لحفتر. ويسانده كذلك رئيس الوزراء السابق، علي زيدان، من برلين. وفي شرق ليبيا في بنغازي، تقف قوات «الإخوان»، المسماة «اللواء 319» مع السلفيين جماعة «أنصار الشريعة»، ضد قوات «الصاعقة»، التي أعلنت أن الإسلام السياسي هو عدوها.
إن تراجع دور «الإخوان»، وهزائمهم في مصر والجزائر وسورية وتركيا، حرَّك موازين القوى في الداخل الليبي، فدفع هذا الأمر بجبريل للرد على «الإخوان»، بعد أن حرموه من المشاركة الرسمية بالدولة، عبر قانون العزل السياسي.
الشق الدولي من المسألة
شكلياً، يبدو أن الأوروبيين قاموا بسيناريو آخر لاحتلال ليبيا. سيطروا عليها، وشكلوا حكومتهم، دون دور كبير للأمريكان، فصعدت الأسماء الأوروبية، ولم تظهر بشدة أسماء المعتمدين الأمريكيين، كحفتر وجبريل.
لكن بعد التغير الحاصل في المنطقة، خصوصاً مصر، ومع تراجع دور المعتمدين الأوروبيين، وجد الأمريكان الفرصة سانحة لأخذ ليبيا كاملة، دون شراكة مع أحد، حيث ترسو البارجة الأمريكية الآن على الشواطئ الليبية، مع 1000 عنصر مارينز. وتبدو الأجندة الأمريكية قائمة على ترك حفتر ينجز قضيتين اثنتين.
أولاً، تخفيض وزن السلفيين ليعادل وزن «الإخوان»، بحكم أن العلاقة بين التيارين يجب أن تبقى متوازية كي يظهرا كنقضين وهميين لوجه واحد. وضمان عدم سيطرة السلفيين على الوضع وحسم المعركة. كما يضمن الأمريكان الوجود المباشر لتلك القوات بالجانب المصري، في حال حدوث تطورات غير مرضية لأمريكا في مصر. وثانياً، إدامة الفوضى والعنف وتصديره للخارج.
تتحرك الولايات المتحدة براحة «كاملة» في ليبيا، فهم يملكون كل خيوط اللعبة هناك، لكن هل يتحمل العالم دولة فاشلة جديدة؟ وهل ستسمح قوى السلم العالمي الموجودة في كل مكان للفاشيين بالانتصار؟