روسياوالصين.. لقاء استراتيجي من العيار الثقيل

روسياوالصين.. لقاء استراتيجي من العيار الثقيل

لم يستطع الإعلام العالمي تفادي الحدث الكبير المتمثل باللقاء الصيني- الروسي، وما تمخض عنه من صفقات تاريخية، لكنه سعى أن يقلل من شأن هذا اللقاء، وتقزيم أبعاده الجيوسياسية والاستراتيجية.

أراد الإعلام المهيمن عليه غربياً أن يصور اللقاء على أنه «تجاري بحت»، فـ»الروس دولة ريعيةتملك احتياطيات هائلة من الغاز، والصينيون يملكون فوائض مالية ضخمة، ومن الطبيعي أن يلتقي العرض والطلب في السوق الدولية، لينتج عنهما صفقة تجارية ضخمة لبيع الغاز الروسي إلى الصين بقيمة 400 مليار دولار ولمدة ثلاثين عاماً” فقط !!.

حول الأبعاد الاقتصادية-السياسية للقاء

نجد وبالتدقيق بتفاصيل الصفقة التجارية لبيع الغاز الروسي إلى الصين، أن حجم الكميات التي ستورد إلى الصين تبلغ (38 مليار متر مكعب سنوياً) وقد تصل إلى (68 مليار متر مكعب لاحقاً)، وفيما لو اعتمدنا الرقم الأدنى سنجد أن هذه الصفقة، تعادل 25% مما يطلبه الاتحاد الأوروبي من الغاز الروسي البالغ (150 مليار متر مكعب سنوياً) وهو يفوق ما تطلبه ألمانيا أكبر مستوردي الغاز في الاتحاد الأوروبي من روسيا البالغ حجم طلبياتها (34 مليار متر مكعب سنوياً). ومن الجدير ذكره أن سعر الغاز بقي سراً في هذه الصفقة، حيث تراوحت التقديرات بين  (380 – 350 دولار لكل 1000 متر مكعب)، وهذا يعني أن السعر السري ينطوي على تخفيض ما لسعر الغاز المورد إلى الصين مقابل سعر الغاز التي تورده روسيا إلى الاتحاد الأوروبي، والذي يقدره الخبراء بين (380 و385 دولار لكل 1000 متر مكعب).
تنطوي المرونة والسرعة في خلق جهة بديلة أو موازية لتوريد الغاز الروسي على نجاح استراتيجي للروس والصينين، وهذا درس اقتصادي وسياسي للغرب، ففي هذه الصفقة كسر الروس كل احتمالات جدية للعقوبات الغربية، بينما ظل الأوروبيون متخبطين في البحث عن بديل للغاز الروسي، فيما لو أرادوا الامتثال للخيار الأمريكي بتصعيد العقوبات، وإن كل ما يهرطق به الغرب عن احتمالات تأمين بدائل حتى اللحظة هي الغاز الأمريكي الذي يصعب تأمينه قبل عدة سنوات، كما أن أسعاره تعادل 150% سعر الغاز الروسي.

رسالة للولايات المتحدة!

يمكن القول إن اللقاء أثبت للعالم أن القدرة التكاملية للاقتصادين الروسي والصيني، ستغير من الخريطة الاقتصادية العالمية في المدى المنظور، فباقي الاتفاقيات شهدت إجراءات هامة في مجالات الاقتصاد الحقيقي المتطورة كمجالات تصنيع السيارات والطائرات، وكانت الرسالة الأخطر والأبرز بالنسبة للولايات المتحدة هي التوقيع على اتفاقية بين البنك المركزي الصيني وثاني أكبر المصارف الروسية، تقضي بإجراء التسويات المالية من دون الدولار، وإن كان حجم هذا التسويات قليل نسبياً، إلا أنها رسالة موجعة للولايات المتحدة التي تعتاش حالياً وبشكل كبير على ريع الدولار.
ترافقت الزيارة مع مناورات عسكرية لثاني وثالث أكبر جيشين في العالم، الروسي والصيني، وذلك في الوقت الذي يزداد فيه التوتر في كل من الجزيرة الكورية وفي اليابان وبحر الصين الشرقي، كما تم التأكيد على الحل السياسي في كل من الأزمتين السورية والأوكرانية ومحاربة الفاشية الجديدة، وهي رسائل استراتيجية للغرب حول طرق حل الصراعات الدولية.
تبلور الزيارة أكثر شكل ومضمون التوازن الدولي الجديد،فالتحالف الصيني-الروسي كمركز مناهض للغرب صار مدعماً بمعطيات مادية قوية وحاسمة مبنية على التكامل الاقتصادي والعسكري والسياسيوبأبعاد استراتيجية.