اليمن «السعيد».. بين مناورات صالح والخارج
يشكل اندلاع المواجهات المسلحة في اليمن في الأيام القليلة الماضية انعطافاً جدياً في الأزمة اليمنية بعد توقيع «اللقاء المشترك» على المبادرة الخليجية المعدلة والإعلان الهش من صالح نيته التوقيع عليها.
ويعكس اندلاع هذه المواجهات فيما يبدو ترجمة عملية لتنصل صالح وموقفه الرافض للتوقيع على المبادرة في مقابل موافقة المعارضة على التعديل (حكومة وحدة وطنية انتقالية تشكلها المعارضة واستقالة الرئيس خلال ثلاثين يوماً بعد تسليم صلاحياته إلى نائبه وبعد أن يمنحه البرلمان الحصانة وأن يوقّع صالح بصفته رئيسًا للدولة وللحزب الحاكم في آن واحد على المبادرة).
تكمن خطورة تلك المواجهات في أنها محاولة لدفع البلاد أكثر في متاهة النزاعات القبلية، التي ستدخل البلاد بدوامة العنف حتى يتسنى للأطراف التي فقدت سيطرتها السياسية التاريخية على اليمن أن تعيد ترتيب أوراقها وتتمركز من جديد، هذه الأطراف المتمثلة بالرئيس صالح أولاً، وبالمحيط الإقليمي الخليجي ممثلاً بمجلس التعاون الخليجي ومن خلفه السياسات الأمريكية ومصالحها بالمنطقة.
كان من الواضح منذ بداية الحراك الشعبي اليمني أن هذا السيناريو مطروح بشكل جدي من جانب صالح من خلال تلميحاته في خطاباته المختلفة، لكنه كان ينتظر من غطائه القديم (الخليجي– الأمريكي) دعماً يخرجه من مأزقه بما يبقي له دوراً في الحياة السياسية اليمنية مستقبلاً. ولكن هذا النزاع الذي بدأ على الأرض أعلن نهاية التبني الضمني له من ذلك الغطاء الذي أدرك ضعف حليفه على الأرض بما دفع هذا الأخير باتجاه إشعال فتيل الفتنة القبلية ميدانياً ليخدم مرة أخرى الأمريكيين والخليجيين الذين يجدون في تلك الفتنة ممراً من جديد إلى الداخل اليمني عبر زعماء القبائل أكثر منه عبر الأحزاب السياسية.
جاء هذا ليظهر أن الإستراتيجية الأمريكية واحدة في التعامل مع الثورات العربية المختلفة، حيث تقوم هذه الاستراتيجيات على إحياء النزاعات المذهبية والطائفية والقبلية التي من شأنها تفتيت كل بلد في الشرق الأوسط بمفرده وإرجاعه إلى ما قبل الدولة الوطنية، وإعادة النفوذ الأمريكي للمنطقة بعد أن ارتخت قبضته عنها على وقع الأزمة الاقتصادية الأمريكية.
تذّكرنا هذه المحاولة للفتنة القبلية بتلك التي حصلت أواخر الثمانينيات في اليمن والتي جاءت بصالح إلى اليمن الجنوبي رئيساً لليمن الموحد، يمثل انتصار الخط الخليجي- الأمريكي الذي خرج منتعشاً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي- حليف اليمن السعيد في حينه. ولكن هل تتكرر التجارب بالتاريخ أم أن التراجع الأمريكي في المنطقة والعالم وتصاعد حركة الشعوب من جديد سيعيدان العالم واقفاً على قدميه مجدداً؟؟