يوم أسود في تاريخ العراق: الدكتاتورية جددت شكلها
لم يترك النظام الفاشي، المنتهي شكلاً على يد أسياده الأمريكان، بقعة عراقية إلا وأنَّت من وقع جرائمه الهمجية. رغم مرور 11 عاماً على خلاص الناس من سطوته الإجرامية، فلا يزال الشعب العراقي، بكل أطيافه، يعاني من آثار الحروب والحصار والقتل والإرهاب والفساد، المتمثلة بتدمير البنية التحتية، وإعادة العراق قروناً إلى الوراء.
لعل من أخطر نتائج السياسات الحالية، المنفذة بالنيابة عن الإمبريالية والصهيونية، هي قضم الأراضي العراقية، والتفريط بمياهه واحتلاله ورهن سيادته، وصولاً للعمل على تحقيق الهدف الاستراتيجي: تقسيمه وتفتيته. ومن ثم إيصال الخطة الإمبريالية الصهيونية إلى منتهاها: دولة قومية لقيطة في فلسطين المحتلة، تلعب دور الباب العالي لإمارات طائفية واثنية، متحاربة متطاحنة، تحت رايات ظلامية سوداء حتى نفاذ آخر قطرة نفط ودم.
وإذ جرى كل هذا الخراب، باسم الشعارات القومية المظهر «الوحدة العربية - تحرير فلسطين- الاشتراكية العربية» المطبقة بالمقلوب على أرض الواقع. فإن قوى 9/نيسان/2003، التي أعلنت هذا التاريخ المشؤوم بتاريخ العراق عيداً وطنياً، ولهث وراءها يائسون وانتهازيون ولصوص وجهلة، رافعين شعار «تحرير العراق»، وتحويله إلى يابان وألمانيا الشرق الأوسط. ليحصد الشعب العراقي عقداً آخر من الحروب والقتل والفقر و«ديمقراطية أمراء الاقطاعيات»، مقابل حصول القوى المتعاملة مع المحتل الأمريكي على إطلاق يدها في السرقة والنهب، ودمج ميليشياتها )إسلامية- قومية- كردية- شيوعية)، وفق قانون «بريمر»، القاضي بدمج المليشيات في ما يسمى بالجيش العراقي. وإذا أضيفت مرتبات هؤلاء إلى مخصصات قانون بريمير الآخر، القاضي بتخصيص 20% من الميزانية إلى المنافع الاجتماعية للرئاسات الثلاث، إضافة إلى حجم الفساد المهول، يمكن تفسير الحالة المزرية التي تعيشها البلاد والعباد.
اليوم، تسير الطبقة السياسية الحاكمة الفاسدة على خطا صدام، في انتهاج سياسة الهروب إلى الأمام من مواجهة المشاكل التي تعاني منها البلاد. سياسة تستكمل، في واقع الحال، السياسة التدميرية لنظام صدام، وهي امتداد عملي لذات السياسة الأمريكية. والفارق الوحيد بين النهجين، يتمثل بإشعال صدّام للحروب الخارجية، أما نظام المحاصصة، فيشعل الحروب الداخلية، مع اشتراك النظامين بشن سياسة قمعية دموية ثابتة ضد القوى الحية في المجتمع.
إن الكتل الثلاث الطائفية الاثنية الحاكمة تتسابق في الهروب إلى الأمام، فمن قيام حزب المالكي بتحويل المعركة ضد الإرهاب إلى تحريض مذهبي بنشوب أزمة خطيرة على الأمن الوطني، تتمثل في إيقاف تدفق مياه الفرات من المنطقة الغربية إلى الفرات الأوسط والجنوب، أزمة مفتعلة أو ناتجة عن التهاون والتخاذل أمام القوى الإرهابية. ومعركة قومية شوفينية- عنصرية كان آخر تقليعاتها إعلان حزب الطالباني «الكونفدرالية» شعاراً لحملته الانتخابية على أطلال بقايا حزب يتمزق ويتفتت، وإقطاعية يفقد السلطة عليها. بالتزامن مع تهديدات الحزب الغريم، حزب البارزاني، بإعلان الكونفدرالية والانضمام إلى تركيا! في وقت لم يتمكن فيه، هو وخصومه، من تشكيل حكومة الإقليم، رغم مرور شهور على انتخابات المحافظات. وإصرار فلول الكتلة العراقية على مذهبة الصراع، والحلول أيضاً.
لم يعد سراً أن الهدف النهائي للطبقة السياسية الحاكمة الفاسدة، بكتلها الثلاث، هو إقامة إمارتها الطائفية الاثنية على أنقاض بلد محطم، وصولاً إلى تقسيمه في مرحلة لاحقة. وإن رفعت شعارات «وطنية وديمقراطية»، فممارستها تبرهن على عودتها الى خطابها الأصل المعلن لحظة دخولها العراق على ظهر الدبابة الأمريكية في 9/نيسان/2003. في يومٍ أسود، شارك النظام السابق بالوصول إليه. إن كان غلمان الإمبريالية يعيشون حالة إنكار اتجاه كحال سلفهم، فمصيرهم لن يختلف سوى بأسلوب الإطاحة: الثورة الوطنية الشعبية.
منسق التيار اليساري الوطني العراقي