الانتخابات الرئاسية والحركة المطلبية اللبنانية

الانتخابات الرئاسية والحركة المطلبية اللبنانية

ضجت وسائل الإعلام اللبنانية، في الآونة الأخيرة، بالحديث عن الانتخابات الرئاسية، ومآلاتها في ظلِّ التغيرات الإقليمية، وانعكاساتها الداخلية المتمثلة بتشكيل الحكومة الأخيرة من جهة، والحراك المطلبي المتصاعد، من جهةٍ أخرى..

شكلياً، يتصف نظام الحكم في لبنان بصفة النظام الرئاسي البرلماني. لكنه في الجوهر، يتميز بصفةٍ كرَّسها «اتفاق الطائف»، الذي حرَّم على اللبنانيين إتمام عملية اختيار الرئيس، قبل أن يمرَّ ذلك بتسوياتٍ تشمل زعماء الانقسام العمودي، على أساس «المكونات» الطائفية، في المجتمع اللبناني. ويدعو هذا الوضع الذي يعيشه لبنان إلى التفكير مرتين للإجابة حول التساؤل عن مدى أهمية الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، في ظل حكم الطوائف والاقطاعيات.

خلاف حاد على قضية ثانوية

إذا كان المناخ السياسي السائد منذ ثمانينيات القرن الماضي قد أنتج «اتفاق الطائف» في لبنان، واستمرت الانتخابات الرئاسية في شكلها المتفق عليه هناك، فإن الحديث المتزايد اليوم عن الرئاسة وأهميتها يمكن أن يخرج قليلاً عن المألوف في ظل انزياحات في مواقف قوى إقليمية ستنعكس حتماً على الحالة اللبنانية، فإلى أي حد من الممكن أن يتغير شكل البنية السلطوية في لبنان من معيار التغيرات الدولية والإقليمية والظروف الداخلية التي تمر بها البلاد، بالتوازي مع تصاعد الحراك المطلبي الواسع لهيئة التنسيق النقابية؟

مع اقتراب الاستحقاقات الإقليمية الأساسية من الحسم الأولي، عبر اقتراب الجولات الأخيرة من نهايتها في قضية الملف النووي الإيراني، والتحضيرات الجدية للجولة الثالثة من «جنيف2» السوري، من الممكن أن تستبق نتائج الانتخابات الرئاسية اللبنانية التوافقات الإقليمية الجديدة، لتعبّر عنها بالذات.

حراك ضاغط على بنية مترهلة

تأتي التحركات المطلبية، كواحدة من الأدوات الضاغطة على مسار التحول في المشهد اللبناني، حيث تأتي تلك التحركات لتكسر الانقسام العمودي الحاد في بنية المجتمع اللبناني، ولتشل قطاعات واسعة في البلاد، تمكنت «هيئة التنسيق النقابية»، بحكم تجربتها خلال السنوات السابقة، من بناء جذور الثقة معها لضمان نيل الحقوق المطلبية لقطاعات كبيرة من اللبنانيين. حيث سيقابل تأخير حل الاستحقاق اللبناني، على الطريقة المتبعة منذ سنوات، زيادة الاستقطاب داخل صفوف النقابات، كإحدى البوابات الوطنية الجامعة والخارقة لثنائيات الصراع الثانوية القائمة على أسسٍ طائفية ومذهبية.

اليوم، يشكِّل حراك «هيئة التنسيق النقابية» والحركة النقابية بشكلٍ عام، أحد الأخطار المتربصة بالانقسام الوهمي، الذي يؤمن استمراراً لحكم الطوائف الحالي، المعتمد على مستوى نهب مرتفع جداً. وبناءً على تلك المخاوف، تسعى قوى الانقسام العمودي إلى احتواء الحراك النقابي، وتأطيره لخدمة النظام السياسي ذاته. ما يضاعف المهمات على عاتق هذا الحراك، المؤهل لقيادة الحركة الشعبية في لبنان.